ارشيف

المدارس الخاصة تجني أرباحها على أنقاض "العقد الاجتماعي"

post-img

الأخبار ـ نعمه نعمه

لم تلتزم المدارس الخاصة يوماً بالعقد الاجتماعي المنصوص عليه في قانون تنظيم الموازنات الرسمية الرقم 515، والذي يهدف إلى خفض كلفة التعليم من دون التأثير على المستوى التعليمي. تسلّحت المدارس بانحياز الحكومات المتلاحقة إليها ضد الأهالي، وهم الفئة الأضعف الباحثة عن الحماية والعدالة في القوانين والعقود الاجتماعية تحت راية الدولة. هذا التراخي حمى القطاع الخاص والطوائف التي أنشأت إمبراطورياتها وعقودها الاجتماعية التي «تشرّع» الربح السريع.

بعد طرح تعديل القانون 515/1996 الناظم للموازنة المدرسية، كثر الحديث عن «العقد الاجتماعي» بين مكوّنات المدرسة، أي الأهالي والمعلمين والإدارة المدرسية. وورد هذا المصطلح في مقدمة القانون 515، حول التفاهم بين «الأركان الثلاثة» ووزارة التربية على صياغة «عقد اجتماعي» يكون أحد أهدافه الرئيسة خفض كلفة التعليم الى أدنى حدّ ممكن، من دون أن يؤثّر ذلك على المناخ التربوي أو المستوى التعليمي في المدرسة الخاصة.وتقوم أسس هذا العقد بين أصحاب الرخصة (مالكي المدارس الخاصة) والأهالي والمعلمين، على مبادئ نظّمها القانون 515، وهي أن المدارس مؤسسات خاصة ذات منفعة عامة معفاة من الضرائب والرسوم، بحيث يقدم أصحاب الرخصة المبنى المدرسي والتجهيزات ويعيّنون الإدارة التربوية والإدارية، ويضعون نظاماً داخلياً للمؤسسة لا يتعارض مع القوانين العامة. أما الأهالي فيسدّدون مجموع التكاليف من رواتب وأجور وملحقاتها (65%) والمصارفات التشغيلية (35%) ومن ضمنها إيجار المبنى المدرسي والصيانة والتجديد والتطوير... بمعنى آخر، يسدّد الأهالي كل مصاريف المدرسة، ومن ضمنها الأرباح غير المشروعة لأصحاب الرخصة.

وفيما تقدم الإدارة المدرسية حصراً «التعليم والأنشطة التربوية الإلزامية والتأمين ضد الأخطار والرقابة الطبية»، أوكل القانون إلى لجنة الأهل مهمّتين أساسيّتين هما: دراسة وإقرار الموازنة المدرسية، والتعاون مع الإدارة المدرسية في شؤون الحياة المدرسية، مثل السلامة العامة والصحة والنظافة وسلامة النقل والأنشطة غير المنهجية.

لكنّ أيّ مراقب لممارسات معظم المدارس الخاصة يرى أن الإدارات المدرسية أخلّت بالعقد الاجتماعي منذ عقود من دون رادع، وسجلت، قبل إقرار القانون 515/96 وبعده، انتهاكات كبيرة ومستمرة للعقد، في حين لا يكلّ الأهالي عن المطالبة، من دون جدوى، بضبط الأقساط وممارسة حقهم في درس الموازنة وإقرارها تطبيقاً للقانون، ويسعى المعلمون طوال الوقت إلى تحصيل ما أقرّته القوانين من تصحيح أجور وتطبيق قوانين سلسلة الرتب والرواتب.

ومنذ إقرار القانون 515، لم تلتزم المدارس بتطبيق كامل بنوده. وآخر فصول عدم الالتزام كان في مطالبتها الأهالي بأقساط مضاعفة قبل إقرار الموازنات المدرسية وموافقة لجان الأهل عليها، في خرق واضح ومتعمّد للعقد الاجتماعي. كذلك عطّلت المدارس الخاصة تشكيل المجالس التحكيمية التربوية، ولم تلتزم ببنود عدة من القانون، ومنها المادة 4 التي أكّدتها استشارة 75/2015 لهيئة التشريع والقضايا وتنصّ على أنه «إذا ﺗﺑﯾّن أنّ الأقساط اﻟﻣدﻓوﻋﺔ هي دون الأقساط اﻟﺗﻲ ﯾرﺗّبها هذا اﻟﻘﺎﻧون ﯾﻛون ﻟﻠﻣدرﺳﺔ اﺳﺗﯾﻔﺎء الفرق، وإذا ﻛﺎﻧت تفوق هذه الأقساط فيردّ الفرق إلى التلامذة». كما مارست ضغوطاً على مستويات عالية للضغط على رئيس الحكومة لتعليق نشر قانون تعديل صندوق التعويضات والقانون 515/96.

المدارس عطّلت أيضاً المادة 19 من المرسوم 4564 التي تعطي حق الاطلاع على قطع الحساب كما أكدتها الاستشارة 75/2015. وتغاضت عن إدخال الإيرادات من غير الأقساط ضمن الموازنة كما أوضحتها الاستشارة نفسها، وكذلك تعميم وزير التربية 33/2022 الذي ينصّ على اعتماد الليرة اللبنانية حصراً لتقدير نفقات الموازنة المدرسية (ليتمكن الأهالي من مراقبة الموازنة)، ولتحديد القسط المدرسي، وإدراج كل نفقة استثنائية مقدر توجبها خصوصاً لدعم رواتب أفراد الهيئة التعليمية وأجور العاملين في باب النفقات، وكل مساهمة أو هبة أو تبرع في باب إيرادات الموازنة، فضلاً عن تنظيم ملحق بالنفقات الاستثنائية المتجاوزة لنسبة الـ 35% المنصوص عليها في القانون 515، مرفقاً بتقرير خبير محاسبة محلّف.

لم تصرّح المدارس عن إيراداتها من المساعدات والهبات الخارجية واستمرت في التحايل على الأهالي ومضاعفة أرباحها من المساعدات الخارجية، كما في مساعدات الدولة الفرنسية لأهالي التلامذة في المدارس الفرنكوفونية التي بلغت نحو 25 مليون يورو، بمتوسط 800 يورو للتلميذ تسلّمتها المدارس استناداً إلى لوائح اسمية واحتسبتها بقيمة أدنى من سعر السوق (النصف). كما ترفض المدارس أيّ آلية قانونية أو رقابية على موازناتها وقطع الحساب.

بعد تصحيح الأجور عام 2012، لم تلتزم المدارس بالقانون وأضافت بنداً على الموازنة المدرسية بعنوان «مساهمة في أيّ زيادة مرتقبة» كذخيرة مالية في حال إقرار السلسلة مع مفعول رجعي. هذه الذخيرة ضخّت أرباحاً بملايين الدولارات. فقانون السلسلة صدر عام 2017، من دون مفعول رجعي، ولم تلتزم به المدارس كاملاً (لم تدفع الدرجات للمعلمين) إلا بعد الأزمة وبالليرة اللبنانية. كما لم تلتزم بدفع كامل الجدول 17 من قانون سلسلة الرتب والرواتب للمعلمين حتى عام 2022 بعدما فقد قيمته، في حين أن معلمي المدارس الخاصة شبه المجانية لم تصلهم مستحقاتهم كاملة، ولم تسدّد مدارس عدة مستحقاتها المتأخرة لصندوق التعويضات إلا بعد الأزمة.

يتلاعب العديد من المدارس الخاصة بالبيانات المقدّمة في الموازنة المدرسية لجهة مضاعفة أعداد المعلمين لتضخيم الموازنة وكلفة التشغيل. وهي تستعيد الضريبة على القيمة المضافة ولا تدخلها في الموازنة على جميع مشترياتها وعقودها.

والسؤال المحيّر: لماذا تعترض المدارس الخاصة على تعديل قانون صندوق التعويضات الذي يسعى إلى رفع قيمة اشتراك المعلمين في الصندوق على كامل المبلغ المدفوع لهم من 6 إلى 8%، في وقت يوافق فيه الأهالي على هذا التعديل وهم المموّلون للمدرسة؟ الأهالي يريدون حماية حقوق المعلمين لأنهم الحاضن لأولادهم، لكنهم يطلبون براءة ذمة مالية من صندوق التعويضات بالمبالغ المسدّدة للصندوق.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد