زمن نصرالله والعودة إلى فلسطين
في المدخل، وعلى نحو شبه يقيني، إننا اليوم أمام معركة طويلة زمانيًا ومتمدّدة مكانيًا بحسب طبيعة الميدان ومتغيّراته. ما يجعلها كذلك، هو كونها معركة وجودية ليس بالنسبة إلى الكيان الإسرائيلي فقط، بل وإلى الغرب برمته، لأن المعركة تدور رحاها في الفضاء الحيوي للمصالح الغربية ومركز صراع قوى الشرق والغرب.
قد تبدو هذه رمزية أبعد وأعمّ لمقتل نصر الله، لكن رمزية استشهاده الأنسب هي الأقرب للتراث الذي ينتمي إليه. رمزية جمعت مدرسة الحُسَينين: الحسين بن علي إمام الثائرين، وبطل كلمات الرفض: «لا» و«هيهات» في زمن الخضوع،
سيكون «السيد» مثل الخُضر في الأسطورة، يشرب من عين ماء الحياة ويطوف على المساكين والفقراء حاملًا زادًا وسيفًا، كأنما يحمل دمه على راحتيه ويقلب المعجزة، ينقلب النبيذ إلى ماء في عرس قانا الجليل ويسيل رقراقًا في الوديان إلى وجهته في البحر.
السيد حسن أسطورة، ولم يُصبِح كذلك في بيوتنا لأنهُ ذاك الخارق البعيد الذي لا يُمكن التشبُّه به، بل على العكس من ذلك، أبو هادي أسطورة لأنهُ يُشبهنا، لأنهُ منّا ومثلنا ومعنا، لأنهُ ابن الأرض والطين والشارع، يفهمنا ويفهم لغتنا
بحجة البحث عن «الحقيقة» في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وآخرين في 14 شباط 2005،
على الرغم من الغموض الاستراتيجي الذي اتبعته طهران حول وقت الرد وطبيعته، وسط تأكيد بحقها فيه، كانت الدعاية الغربية ترتكز على أن "المحور" بأكمله سيهاجم "إسرائيل" وهذا ما يوجب تكاتفًا اوروبيًا أميركيًا وعربيًا لمواجهة "التهديد".
مع تنامي التيار الديني في المقاومة الفلسطينية بعد انتصار الثورة الإيرانية، عملت إيران على دعم هذا التيار لا سيّما بعد قيام الانتفاضة الأولى، وشكلت دعوة إيران لوفد من حماس للمشاركة في مؤتمر لدعم القضية الفلسطينية في طهران سنة 1990 بداية لتطور العلاقات التي شابها بعض التوتر في فترة الربيع العربي على خلفية الأزمة السورية،
هذه العزة ملأت قلوب من شارك في الحداد على السيد الشهيد في الضفة الغربية المحتلة، والذين خرجوا وخرجن باللباس الأسود وهم يبكون بحرقة. هذا حدث بعد سنة تقريبًا على الطوفان، وبسبب سياسة الكيان في ردع الانتفاضة عبر الإبادة، غابت الضفة - إلا في مقاومة شمالها - وغابت رام الله كذلك ولكنها في النهاية عادت كي تعبر عن حزنها على استشهاد السيد. طبعًا العامل الأول وراء هذا الوعي هو السيد حسن نصر الله، الذي حل ضيفًا على بيوتنا لِما يقارب العقدين، منذ الانتصار الذي طبع في جيل الألفية، كما تقول غدي فرنسيس، تشكل شخصيتهم وثقتهم بأنفسهم.
في هذه اللحظات العصيبة، تصبح عبارات مثل «لن نتخذ الليل جملًا» أو ««ما تركتك يا حسين»، ذات بعد قيميّ حقيقيّ. وهي عبارات حوّلها سيدنا الشهيد إلى شعارات تتخطى الدين والمذاهب. فنرى جماعة المقاومة تجاهر بأنّها ستكمل في هذه الحرب حتى تعلن المقاومة النصر. علمًا أن كل من منها هو إما شهيد أو نازح أو معين على نزوح. هذه قيم زُرعت على مدى سنوات عبر جهد منهجي من سماحة السيد الشهيد وتحت إشرافه من خلال وسائط كثيرة تتبع أو تعمل في فلك المقاومة. والآن يرى العالم كله ثمارها على شكل جماعة صامدة وصابرة لا تخشى الإقدام على اتباع أصعب الطرق في سبيل الانتصار.
لعل بعض المراقبين من أنصار البراغماتية وعشاق النظام الليبرالي الغربي سيجدون في هذه القراءة غرقًا في أوحال التاريخ، وجذريّة قد تجاوزها الزمن، على أن هؤلاء يجب أن ينتبهوا إلى أن المشروع العبراني برمته قائم على أوهام أسطوريّة،
في مقال مهم، يؤكد الفيلسوف الروسي الكسندر دوغين أنّه بعد استشهاد سماحة الأمين العام السيد حسن نصرالله؛ "إسرائيل" تشترس في القتل الممنهج على قاعدة تعود بها إلى بناء" إسرئيل الكبري " بعدما أزاحت عقبة كبيرة أمام مشروعها الاسيطاني في منطقة الشرق الأوسط.. وهو يرى أن لا بدّ من قوة حديدية تتابع مواجعة "إسشرئيل"..وفي الأيام القريبة سنرى كيف تكون المواجهة..
الشهيد حسن نصر الله، بالمقابل، سوف تبكيه أمّةٌ كاملة من النّاس، جلّها من الفقراء والمستضعفين. بعضهم سيبكي في صمتٍ وبعضهم الآخر في السّرّ. أمّا عن أعدائه وقتلته، فنحن والزّمن كفيلين بهم
اليوم، ثمة مهمة مركزية تواجهنا، نحن أهل المقاومة وأولادها وبناتها وأجيالها المتعاقبة
ل سيّد شهداء المقاومة حسن نصر الله: «لا يجوز أن نيأس. اليأس هو خُلُق الضعفاء. هو خُلُق الفاشلين. هو خُلُق عديمي الإرادة وفاقدي العزم. أما أنتم، أما نحن الذين وقفنا في وجه العواصف العاتية، وصمدنا وبقينا وانتصرنا، لا يمكن أن نسمح لليأس أن يتسلل إلى قلوبنا».
نجح بنيامين نتنياهو في تحويل الجبهة اللبنانية إلى بؤرة مشتعلة تنصرف إليها أنظار عواصم القرار الدولي، وفي جعل "إسرائيل" نقطة الجاذبية التي ترسي دعائم استقرار النظام العالمي.
هل كانت غزة دائمًا مجرد قطعة أرض، أو "قطاع" كما يُطلق عليها اليوم؟ مجرد مخيم يُقصف بانتظام، ويعيش ويموت فيه بضعة ملايين من اللاجئين الفلسطينيين؟ دعونا نجرؤ على العودة إلى الماضي البعيد الذي يتذرع به الغزاة الجدد لنروي بعض حلقات العصور القديمة من تاريخ هذه المدينة الرائعة.
في وقت سابق من هذا العام، نشر الكاتب والإعلامي الكوري المقيم في الولايات المتحدة جو هيون بارك صورة له، خارج أبواب متحف الفن الحديث في نيويورك (MOMA) معلنًا أنه قد مُنع من دخول المتحف بسبب حمله للكوفية الفلسطينية في حقيبته.
يقول اللغويون إن كلمة الفتى تعني الشاب في أَوَّل عمره بين المُراهَقَة والرُّجولة، وهو ما ينطبق على أعمار جيل جديد من المقاومين يتصدرون العمل الفدائي في الضفة الغربية، ويكتبون بدمائهم برنامج تحرر وطني يتمتع بمشروعية تفوق بالتأكيد ما لدى السلطة من رصيد أو لنقل ما كان.
من يعمل على تقدير الموقف حيال الحرب القائمة، يلجأ في كثير من الأحيان إلى سوابق تخصّ سلوك أطراف المعركة، مثل محاولة إسقاط ما يجري في غزة على واقع لبنان، سواء لناحية العدوان من جهة أم ردّ المقاومة من جهة ثانية، وسط تجاهل لمفارقات كبيرة بين المشهدين، ولو أن عقل العدو واحد في سعيه لتحطيم كل شيء.
موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد