في اليوم الخامس من العدوان الهمجي الذي طاول غالبية البلدات الجنوبية والبقاعية، تخطّى عدد النازحين إلى محافظة عكار الـ 15 ألفاً. لم ينتظر أبناء البلدات والقرى العكارية النائية أجهزة الدولة و«اللجنة الوطنية»، بل عمدوا إلى استقبال العائلات في منازلهم وقراهم، وشكّلوا لجاناً أهلية فتحت المدارس والمعاهد الرسمية، وتطوّعوا، أساتذة ومدراء وطلاباً وكشافة، لجمع التبرعات العينية والمادية في ما بينهم.
تتصدّر بلدة ببنين، بوابة عكار وأكبر بلداتها، المشهد، لاستقبالها 2000 نازح، إذ إنها الأقرب إلى الوافدين ويسهل الوصول إليها لكونها بلدة ساحلية، وتضم العدد الأكبر من مراكز الإيواء، وهي البلدة التي قدّمت الشقيقين مصعب وبلال خلف شهيدين ضمن «قوات الفجر». من ببنين إلى برج العرب والحصنية وذوق الحبالصة وباقي البلدات الساحلية، تجهد البلديات للقيام لتقديم ما أمكنها، ورغم محاولات بعض المغرضين عبر وسائل التواصل وفي أكثر من بلدة استحضار أجواء فتنوية، سيطرت الفاعليات الروحية والسياسية والدينية والاجتماعية على الوضع. ويشدد عضو المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى الدكتور كفاح الكسار على «أننا اليوم أمام اعتداء غاشم وعلينا التجرد من كل الخلافات والعودة إلى إنسانيتنا ووطنيتنا ومساندة أهلنا النازحين بكل إمكاناتنا»، مؤكداً أن «أهالي عكار فتحوا منازلهم ومدارسهم للنازحين، ووفّروا باللحم الحي ما أمكنهم من احتياجات، بانتظار أن تتمكن أجهزة الإغاثة من توفير المساعدات المطلوبة».
في حلبا، مركز المحافظة، ينشط المتطوّعون في «النجدة الشعبية» وبقية الأحزاب (الحزب الشيوعي، والحزب السوري القومي الاجتماعي)، إضافة إلى اللجان الأهلية في العمل على تأمين منازل مجانية والتخفيف من عدد النازحين إلى المدارس. مهنية حلبا الرسمية تغصّ بالمتطوعين، ويتولى مديرها عمر حمود الإشراف على تيسير أمور النازحين داخل المدرسة، يعاونه الأساتذة والطلاب والكشاف في تسلم المعونات عبر مبادرات فردية وجماعية عديدة، تشمل الفرش والأغطية والطعام، وتأمين الكهرباء 24 ساعة والمياه والإنترنت، كما يحضر فريق طبي تابع لمراكز الرعاية الصحية يقوم بمعاينة المرضى وتحويلهم إلى مستشفى حلبا الحكومي، إضافة إلى وجود دائم لفريق وزارة الشؤون الاجتماعية للرصد والمتابعة.
حمود أكّد أن «الأمور مضبوطة وإن كانت الاحتياجات تفوق الإمكانات»، منتقداً «عدم وجود أثر للهيئة العليا للإغاثة أو لجنة الطوارئ»، ومؤكداً أن «النقص الأساسي هو في الفرش، ونجمع التبرعات لشراء ما يمكن». الواقع نفسه ينسحب على تكميلية حلبا ومدرسة الشيخ محمد الرسمية.
مدير «النجدة الشعبية اللبنانية» في عكار كامل منصور قال لـ«الأخبار»: «نعمل على خطين، الأول تأمين المنازل المجانية عبر أصدقائنا في مختلف البلدات وتحديداً في رحبة وعكار العتيقة، وجمع التبرعات العينية لتأمين احتياجات النازحين، والثاني تنظيم حملة تبرع إلكترونية موجّهة إلى الخارج لإرسال أموال لشراء تجهيزات منزلية، وإجراء الإصلاحات اللازمة في المدارس، وتحديداً لجهة تأمين الحمامات.
مبادرات فردية وجماعية ولا أثر للهيئة العليا للإغاثة أو لجنة الطوارئ
في منطقة الشفت، كانت بلدة منيارة سبّاقة في استقبال النازحين، إذ استضافت 400 نازح (350 في المنازل و50 في المدرسة الرسمية). في حديقة منيارة يجلس أعضاء البلدية لتنظيم الداتا، واستقبال مزيد من النازحين حيث يصار إلى تقديم المياه والطعام لهم قبل إيجاد منازل. ومع استحالة توفر المزيد من المنازل تمّ فتح المدرسة الرسمية لاستقبال الوافدين الجدد. رئيس البلدية أنطون عبود ناشد المؤسسات الدولية وأجهزة الدولة الالتفات إلى النازحين الموجودين في المنازل وعدم اقتصار المساعدات على مراكز الإيواء، مؤكداً «أننا نرفض إذلال ضيوفنا وإذا أرادوا حصر المساعدات فقط بمراكز الإيواء فنحن لا نريدها ولن أسمح بذلك».
النازحون توزّعوا أيضاً على بلدات الجومة وفي مقدّمها رحبة التي تضم ما يزيد عن 1000نازح، وتكريت، عيات، الدورة وعكار العتيقة، كما استقبلت القرى الحدودية في بلدات مشتى حسن ومشتى حمود وقرى وادي خالد وفتح أهاليها منازلهم بانتظار أن تلتفت الدولة إليهم.
على المستوى الرسمي، تنشط «خلية الأزمة» التي شكّلها محافظ عكار عماد لبكي في إعداد الداتا وتحديثها لتسجيل كل النازحين الوافدين إلى المحافظة ومعرفة أماكن تواجدهم لتسهيل توجيه الجمعيات والمنظمات. غير أن لبكي أكّد لـ«الأخبار» أن عملية التسجيل لا تترافق مع أي مساعدات. وقال إن شؤون النازحين في مراكز الإيواء في مختلف البلدات والقرى تأخذ طابعاً أكثر تنظيماً، مع صدور تعداد يومي لأعداد الوافدين، و«المتابعة تتم بشكل أساسي من قبل وزارتي الشؤون الاجتماعية والصحة، أما المساعدات فلم يصلنا أي شيء بعد»، لافتاً إلى أن «فداحة النقص في الفرش والبطانيات لا تزال تعيق هذا التنظيم. والاعتماد اليوم هو على المجهود الشخصي وبعض المساعدات البسيطة من قبل عدد من المنظمات التي تعمل فقط في مراكز الإيواء بحجة عدم وجود إمكانات». وشدّد على أن تعليمات غرفة إدارة الكوارث واضحة بمنع توزيع مساعدات من أي جمعية أو منظمة إلا بموافقة البلديات، وبالتنسيق مع إدارة الكوارث منعاً للفوضى وإفساحاً في المجال لتغطية حاجات جميع النازحين.