منذ سقوط النّظام السوري، بدأت المُطالبات بإعادة إحياء ملف الموقوفين الإسلاميين في السجون اللبنانيّة، وخصوصاً أنّ عدداً كبيراً منهم سوريون اتُّهموا بـ«الارتباط بتنظيمات إرهابيّة» كانت تُحارب نظام الرئيس السابق بشّار الأسد. أضف أنّ هذا الملف لم يُقفل يوماً، بل اعتاد متابعوه تنظيم تحرّكات دوريّة ولقاءات مع المسؤولين لم تفضِ إلى نتيجة، مع اصطدام المرجعيّات الحكوميّة التي كانت تنوي حلّ هذا الملف بمعارضة داخليّة وخارجيّة لعدم تسليم السُجناء السوريين إلى دولتهم «خشية تصفيتهم».
ولأنّ النظام السياسي في سوريا تغيّر، صار مُتاحاً العمل على تنفيذ اتفاقيّة التعاون القضائيّ الموقّعة بين البلدين لاسترداد دمشق المحكومين السوريين من السجون اللبنانيّة، والعمل على إيجاد صيغة قانونيّة لاسترداد الموقوفين السوريين أيضاً، علماً أنّ ما يؤخّر هذا الأمر، بحسب بعض المرجعيّات، هو تردّد الحكومة اللبنانيّة في اعتماد أُطر تعاون رسميّة بين الدولتين.
اكتظاظ أم قلق أمني؟
وينطلق دعاة حل هذا الملف من مسألة الاكتظاظ في السجون التي تستقبل ثلاثة أضعاف قدرتها الاستيعابية، مع تدهور أوضاع السجناء في ظلّ العجز عن تأمين الخدمات الأساسيّة لهم. كما أدّت الظروف السياسيّة والماليّة والقضائيّة (كورونا، إضرابات القضاء وموظفو قصور العدل والمحامون، أزمة السوق الناتجة من تعطل الآليات أو حاجتها إلى المحروقات...) إلى ارتفاع نسبة الموقوفين إلى أكثر من 75%، بينهم أكثر من 25% من السوريين، ما يجعل من إعادتهم إلى بلادهم حلاً لمشكلة الاكتظاظ.
وإلى الاكتظاظ، ثمة من يعبّر عن «قلق أمني حقيقي» من أن تكون السجون شرارة تؤدي إلى فتنة داخليّة أو اضطراب أمني. وإذا كان البعض يتحدّث عن «مظلوميّة قد تزيد من الغضب الشعبي» وتؤدي إلى تحرّكات شعبيّة على أبواب السجون لإطلاق سراحهم بالقوّة، فإنّ أمنيين يرصدون السجون انطلاقاً من أكثر من إشارة سياسيّة وأمنيّة، من بينها:
- ترويج مقربين من النظام السوري الجديد لإمكانيّة أن يعمد المسؤولون السوريون إلى توجيه رسالة تحذيريّة إلى الحكومة اللبنانيّة تهدد بإقفال جميع المعابر البريّة مع لبنان إذا لم تحلّ الحكومة اللبنانيّة ملف السجناء السوريين.
- معظم التحرّكات الشعبيّة في مختلف المناطق اللبنانية إثر سقوط النّظام السوري، تخلّلتها مُطالبات بإقفال هذا الملف.
- إشارات من داخل السجون إلى إمكانيّة تنظيم تحرّكات قد تؤدي إلى شغب وتمرد من جانب السجناء.
- الحديث عن تشكيل تنظيمات مسلحة في سوريا كتائب تحمل اسم «كتائب تحرير سجن رومية».
- إثارة هذا الملف أخيراً على ألسنة خطباء المساجد وأئمّتها، كان أمين الفتوى الشيخ أمين الكردي الأعلى سقفاً فيها، عندما وجّه (قبل انتقاله إلى دمشق) في خطبته الأخيرة في مسجد محمد الأمين تحذيراً «باسم العلماء، إلى كلّ أركان السّلطة اللبنانيّة» لحل قضيّة السجناء في رومية. وأضاف: «لا أطلب منهم، بل أُحذّرهم، وأقول لكلّ مسؤول من سياسيين وقضائيين أو قيادة الجيش أو في المحكمة العسكرية، أننا لن نرضى بالظلم بعد اليوم، ولن نقبل أبداً بأن تتحكم بعض العقول المغسولة والمدرّبة من الجهاز الأمني البعثي والأسدي بالسجناء. مرة وحيدة أقولها، وإن غداً لناظره قريب».
لجنة الموقوفين تتحرّك
كل هذه الإشارات دفعت اللجنة المعنيّة بملف الموقوفين إلى إحياء اجتماعاتها ولقاءاتها مع المسؤولين، علماً أنها تضم إلى جانب أهالي الموقوفين الإسلاميين، أهالي سجناء متهمين بتجارة المخدّرات والسرقة والتّعامل... ومحامين متطوعين.
وبدأت اللجنة اجتماعاتها الأخيرة من مقر تيّار المستقبل، حيث التقت الأمين العام أحمد الحريري في حضور عضو هيئة الرئاسة جلال كبريت والمنسق العام لجبل لبنان الجنوبي وليد سرحال، وكان لافتاً قرار بعض أعضاء المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى (التّابع لدار الفتوى) مواكبة هذه التحرّكات، إذ حضر اللقاء عضوا المجلس القاضي حمزة شرف الدين والشيخ فؤاد زرّاد. وأكد الحريري أنّ «المستقبل لن يوفر أي جهد في سبيل إقرار قانون شامل للعفو العام يحقق مطلب الأهالي، ويرفع الظلم والإجحاف عن كل المظلومين والموقوفين، ولا سيما الموقوفين بتهم دعم الثورة في سوريا، ويؤسس لفتح صفحة جديدة تطوي ما شاب المرحلة الماضية من فبركة ملفات وتسخير بعض الأمن وبعض القضاء للكيل بمكيال الظلم والانتقام والكيدية من أجل أهداف سياسية ساقطة لم يكن من وظيفة لها سوى الفتنة والابتزاز السياسي والتحريض الطائفي والمذهبي والمناطقي»، معلناً دعمه إعلان تكتل «الاعتدال الوطني» عن تقديم اقتراح قانون شامل للعفو العام إلى مجلس النواب.
وبحسب المعلومات، فإنّ اللجنة ستستكمل جولتها هذا الأسبوع على المرجعيات السياسيّة والحكوميّة والدينيّة والروحيّة، إضافةً إلى تنسيق دوري مع عدد من النوّاب، للاتفاق حول مجموعة من النقاط وعلى تمرير اقتراح للعفو العام ينكبّ شرف الدين على صياغته. وتتركّز مطالب اللجنة على نقطتين إلى جانب مشروع العفو العام، هما: ضرورة إدخال تعديلات على قانون القضاء العسكري لتحويل المحكمة العسكرية إلى محكمة تحاكم العسكريين فقط، وإعادة النظر بوسائل الاتصال وكتب المعلومات والإخضاع الصادرة عن الأجهزة الأمنيّة بحق أكثر من 80 ألفاً، معظمهم من البقاع الشمالي. وتنطلق اللجنة في ضرورة وقف العمل بهذه التدابير، إلى قرار مجلس الوزراء عام 2015 بوقف العمل بها، وإلى مذكّرة أصدرها النائب العام التمييزي في حينه لناحية تطبيق ما صدر عن الحكومة، قبل أن تخالف الأجهزة الأمنية السلطتين القضائية والتنفيذيّة وتبقي العمل سارياً بوثائق الاتصال.
اقتراح قانون العفو
أمّا في ما يخص اقتراح العفو العام، فإنّ المعلومات تشير إلى أنّه يحتاج إلى مزيد من الاتصالات واللقاءات قبل تقديمه إلى مجلس النوّاب، وخصوصاً أنّه سيشمل جميع الجرائم (مخدرات، سرقة، إرهاب، تعامل...) ما يحتاج إلى توافق بين الكتل السياسيّة عليه، كلّ بحسب طائفته. ومن المفترض أن يتم ذكر عدم شموله السجناء الذين تم توقيفهم أخيراً كي لا يستفيد منه المتهمون بالتّعامل خلال هذه الفترة. كما سيتم ذكر عدم شمول هذا الاقتراح السّجناء الذين يُلاحقون بالحقوق الشخصيّة من دون حصولهم على تنازلات من أهالي الضحايا، وهو ما ينطبق على السجناء الملاحقين بقتل عناصر من الجيش أو قوى الأمن الداخلي. أمّا أبرز النقاط التي سيتضمّنها، فهي:
- تخفيض السنة السجنيّة من 9 إلى 6 أشهر، لمرة واحدة فقط.
- تحديد عقوبة الإعدام بـ 25 عاماً، وعقوبة المؤبّد بـ 20 عاماً.
- تطبيق المادة 108 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، التي تنص على أنه «ما خلا حالة المحكوم عليه سابقاً بعقوبة مدتها سنة على الأقل، لا يجوز أن تتعدى مدة التوقيف في الجنحة شهرين يمكن تمديدها مدة مماثلة كحد أقصى في حال الضرورة القصوى. وما خلا جنايات القتل والمخدرات والاعتداء على أمن الدولة والجنايات ذات الخطر الشامل وحالة الموقوف المحكوم عليه سابقاً بعقوبة جنائية، لا يجوز أن تتعدى مدة التوقيف في الجناية ستة أشهر، يمكن تجديدها لمرة واحدة بقرار معلّل». ومع أنّ النائب العام التمييزي، القاضي جمال الحجار، أصدر أخير تعميماً إلى القضاة بضرورة التقيد بنصّ المادة 108، إلا أنّ عدداً كبيراً منهم تخلّف عن تنفيذها.