من لا يعرف وليد جنبلاط جيداً، لن يكون بمقدوره تصوّر الحالة النفسية التي يعيشها هذه الأيام. تحضيراته الشخصية، ومع أركان الطائفة والحزب الاشتراكي، لزيارة دمشق قد تكون الأقرب الى قلبه، تختلط فيها مشاعر الثأر من حافظ الأسد لوقوفه خلف اغتيال والده كمال جنبلاط، وتعبه من العلاقة التي لم تنتظم يوماً مع بشار الأسد منذ تولّي الأخير سدّة الحكم.
لعقود عدة، كان جنبلاط يقيم علاقة الضرورة مع دمشق. إذ يعرف أهمية الشام في العالم العربي، ويدرك أن لبنان محكوم بعلاقة خاصة مع دمشق، بمعزل عن هويّة حاكمها. وجاءت الأزمة اللبنانية بأوجهها المختلفة، لتفرض على الرجل رحلات صعبة باتجاه سوريا، حاول خلالها بناء علاقات مع جهات في الحكم، كحكمت الشهابي وعبد الحليم خدام، وحافظ عليها بعد وفاة الأسد الأب، مع إدراكه أن هذا الثنائي الذي كان من الفريق اللصيق بالأسد الأب لم تربطه علاقات ودية مع الأسد الابن، رغم أنه كان من السياسيين الذين استفادوا من التركيبة التي قامت بعد توقف الحرب الأهلية. كما أن الرئيس السابق، بشار، من جهته، لم يكنّ وداً لجنبلاط، فعمل على تعزيز نفوذ خصومه من دروز لبنان وسوريا، كطلال أرسلان وآل الداوود ووئام وهاب.
بعد اندلاع الأزمة في سوريا، انحاز جنبلاط من دون تردد الى جانب خصوم الأسد. صحيح أنه كان يفضّل المعارضين من الشخصيات العلمانية أو تلك التي كانت تعيش في الخارج، لكنه اضطرّ في مرحلة أولى الى التعامل مع المجموعات الإسلامية لمعالجة أوضاع الدروز في منطقة إدلب، وعزّز علاقاته مع دروز السويداء، واستقبل المئات من أبناء جبل العرب الذين فرّوا من سوريا بعدما استعاد الأسد الابن السيطرة على معظم الأرض السورية. وأكثر ما قدّمه جنبلاط من تنازل خلال السنوات الأربع الأخيرة، تمثّل في دعوته الى تسوية عامة وشاملة في سوريا، متوقفاً عن شن حملات ضد الأسد شخصياً.
وعندما سقطت دمشق بيد الفصائل المسلحة، كان جنبلاط أول المرحّبين بالتغيير الكبير، معتبراً أنه لا يهمّ من هي الشخصية الأقوى في سوريا اليوم، وأنه يريد المساعدة على بقاء دروز سوريا ضمن الدولة السورية، رافضاً مشروع التقسيم الذي يروّج له بعض دروز السويداء، بدعم من شيخ عقل الدروز في فلسطين المحتلة موفق طريف. وقد جاهر جنبلاط بخلافه مع طريف، وأبلغ الأردنيين أنه ليس موافقاً على أيّ دور يقوم به الدروز الى جانب إسرائيل، لا داخل فلسطين ولا في سوريا. وهو اليوم، يرى أن الفرصة متاحة لمواجهة مشروع إسرائيل تحريض بعض الدروز على إقامة دويلة عابرة لحدود لبنان وفلسطين وسوريا، وباشر اتصالاته لهذه الغاية.
بعد عودته من باريس، جمع جنبلاط أركانه من الحزب والكتلة النيابية ومشايخ الطائفة، وأبلغهم أنه سيكون على رأس وفد كبير، سياسي ونيابي وديني وشعبي، يتوجّه الى سوريا للقاء قائد هيئة تحرير الشام أحمد الشرع، وربما عقد اجتماعات مع شيوخ من السويداء، سواء في دمشق نفسها أو في المدينة.
وفي السياق، كان لافتاً ما تناهى الى مسامع مقرّبين من جنبلاط عن انزعاج السلطات التركية من خطوة جنبلاط التي تقوده مباشرة الى القيادة الجديدة في سوريا، من دون المرور بأنقرة. وهي سياسة تبدو تركيا مهتمة بها على أكثر من صعيد. حتى إن شخصيات لبنانية وفلسطينية تلقّت نصائح بالتواصل مع القيادة التركية قبل المبادرة الى خطوات باتجاه الحكم الجديد في سوريا. وقد أدت الاتصالات والنصائح الى إقناع جنبلاط بالتوجّه أولاً إلى أنقرة، قبل زيارة دمشق.