غسان ريفي ـ سفير الشمال
تُشبّه مصادر سياسية مواكبة للتغييرات الأخيرة في لبنان، ما يحصل اليوم بحقبة صيف 840 التي جسّدها الأخوين رحباني في مسرحية في العام 1988 ولاقت نجاحًا واسعًا ورواجًا ما يزال حتى الآن، حيث كان العرب والأجانب يفرضون أنفسهم على الطوائف والمذاهب اللبنانية التي خرجت بفعل هذه التدخلات من احتلال الى احتلال ومن وصاية الى وصايات.
ليس خافيًا على أحد، أن سنتين وثلاثة أشهر من الفراغ الرئاسي شهدوا سلسلة من المبادرات الداخلية سواء في الدعوة الى الحوار أو في التمنيات للتلاقي والتشاور، أو في محاولات تدوير الزوايا وتقريب وجهات النظر للتوافق على قواسم مشتركة تساهم في انتخاب رئيس بعيدًا عن التدخلات الخارجية من أي جهة أتت.
كل ذلك باء بالفشل، الى أن قرر الخارج عربا وأجانب أن يصار الى إتمام استحقاق رئاسة الجمهورية وفرضَ قراره على كل الكتل النيابية سواء بالترهيب أو الترغيب، أو الاقناع ما أدى الى انتخاب العماد جوزيف عون رئيسًا للجمهورية، وهو تحول بقدرة قادر من مرشح غير مرغوب به ويحتاج الى تعديل دستوري الى رجل المرحلة الانقاذية للبنان.
وتشير المصادر السياسية الى أن التدخلات العربية والأجنبية كانت أكبر بكثير في تسمية رئيس الحكومة المكلف نواف سلام الذي غادر لبنان الى لاهاي قبل يوم من تكليفه ثم عاد أدراجه بعدما حصل على 84 صوتًا، ما يؤكد أنه لم يكن مرشحًا وليس على علم ودراية بما جرى التخطيط له وتم إسقاطه في صباح إثنين الاستشارات على النواب الذين انقلبوا على مواقفهم من دون أن يرف لهم جفن.
وتؤكد هذه المصادر، أن كل ما يُحكى عن عدم ممارسة ضغوط على النواب لتسمية الرئيس سلام لرئاسة الحكومة كذب ودجل سياسي ومحاولة لذر الرماد في العيون، خصوصًا أن كثيرًا من النواب عبروا في مجالسهم الضيقة عن انزعاج كبير من ممارسات بعض السفراء والموفدين الدوليين معهم في استحقاقي رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، لافتين الى أن العرب كانوا على قدر من الاحترام أما الأجانب أي الأميركي والفرنسي فتعاطوا بكثير من القسوة والفجاجة التي تسيء الى النواب والى السيادة الوطنية التي يتغنى بها البعض وينسج حولها التصريحات والمواقف والتي لا يملك ولا يطبق منها شيئًا.
ولعل الأسلوب الفوقي الذي تم فيه تسمية الرئيس سلام والطروحات التي أعلنها جعلت بينه وبين الواقع اللبناني هوة سحيقة، بدأ يلمسها منذ الاستشارات النيابية غير الملزمة، حيث وجد نفسه غارقًا بمطالب الكتل النيابية التي تعلن غير ما تضمر، وتوحي بالزهد الوزاري، ثم تكشر عن أنيابها للحصول على أكبر حصة وزارية وتصارع بعضها بعضًا للحصول على الحقائب الوازنة، خصوصًا أن بعد سنة ونصف السنة سيكون هناك انتخابات نيابية تحاول هذه الكتل استباقها بترميم شعبيتها عبر خدمات حكومية، الأمر الذي يضرب كل الشعارات التي رفعت منذ تكليف سلام ولغاية اليوم.
واللافت بحسب المصادر السياسية نفسها، أن الرئيس سلام يعاني إرباكًا غير مسبوق، يمنعه من وضع آلية أو منهجية للتكليف، خصوصًا أنه يحاول إرضاء كل الكتل النيابية بدون استثناء ثم يشكو منها ويهدد بالانقلاب عليها، وكلما تعهد لفريق سياسي بشيء يأتي بعض التغييريين لإقناعه بتبديل موقفه، لذلك فقد تسبب تصريحه بعد لقائه رئيس الجمهورية بحالة من الإحباط، كونه أظهر أن ثمة أزمة تأليف تلوح في الأفق، في حين أن المطلوب منه هو تأليف سريع، للبدء باستعادة الثقة العربية والدولية التي من المفترض أن تترجم بالمساعدات، وذلك من خلال الإصلاحات المالية والمصرفية وإجراء الانتخابات البلدية ووضع قانون انتخابي جديد، ومن ثم إجراء الانتخابات النيابية، فضلا عن ضرورة إجراء حوار برئاسة الرئيس عون بين كل المكونات السياسية للتوافق على ألف باء المشهد السياسي المقبل وعمل الحكومة، لا أن يلتزم الرئيس سلام بنقاط ما تزال موضع خلاف بين اللبنانيين.
وترى المصادر نفسها، أن الرئيس سلام في حال استمرت تعقيدات التأليف على حالها، فإنه قد يتجه الى قلب الطاولة بالاتفاق مع الرئيس عون على تشكيل حكومة كفاءات عير محسوبة على التيارات السياسية، وأن يستعين بالخارج الذي فرض تسميته لمنح حكومته الثقة، لتكتمل صورة الوصايات الخارجية على لبنان والعودة الى مشهديه صيف 840.