أوراق سياسية

هكذا اصطاد السياسيين... وأوقعَ به ابن فرحان القصّة الكاملة للأمير السعودي "أبو عمر"

post-img

لينا فخر الدين (الأخبار)

ببراعة شديدة، نجح الشيخ خلدون عريمط في الإيقاع بكثير من السياسيين والعاملين في الشأن العام، ما جعله في نظر كثيرين، واحدًا من أدهى الشخصيات في التاريخ اللبناني.

قصة القاضي الشرعي السابق، بدأت باستغلاله ابتعاد الرياض عن الساحة اللبنانية أثناء عهد الرئيس السابق ميشال عون والفراغ الرئاسي الذي تلاه، وما نتج من ذلك من شحّ في الاتّصالات الرسمية بين البلدين، ولا سيما بعد استدعاء الرياض سفيرها في لبنان.

على مدار هذه السنوات، كان عريمط، وفقًا لما يروي متابعون، يعمد إلى زيارة شخصيات سياسية، ويدّعي أمامها أن المملكة راضية عن أدائها، قبل أن يسألها عمّا إذا كان لديها مانعٌ من إقامة علاقات مع مسؤولين سعوديين. وعند إجابتها بـ"نعم"، تكون الضحية قد أكلت طعم عريمط، وعلقت في صنارته.

ومع ذلك، لا يربطها عريمط بالمسؤول السعودي المزعوم فورًا، وإنّما يُكرّر الزيارة مرّة أو مرّتين، قبل أن يفتح اتّصالًا مباشرًا من هاتفه بـ"الأمير السعودي أبو عمر"، مُقدمًا إياه لضحيته على أنه أحد أهم المُؤثِّرين في الديوان الملكي، ومقرّب من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وقادر على تحقيق أحلامهم السياسية. غير أن "أبو عمر" لم يكن سوى ابن بلدة وادي خالد العكارية، مصطفى الحسيان، الذي يُجيد اللكنة السعودية.

في البداية، كان الأمير المزعوم يطمئن عن هذه الشخصيّات وينوّه بمواقفها، قبل أن يطلب منها، في اتّصالٍ آخر، الاهتمام بعريمط، كما الاهتمام بـ"رابطة إنماء وتوعية الأُسرة" التي أسّستها زوجة عريمط، ودعم الجمعية عبر مبالغ مالية يُحدِّدها "الشيخ".

أدوارٌ سياسية أساسية

هكذا ذاع صِيت "أبو عمر" في الأوساط السياسية وتوسّع نفوذه. فبات البعض ينتظر اتّصاله أشهرًا، نظرًا إلى أن "الأمير السعودي" لم يكن يحب الإكثار من الاتّصالات. ورغم أن تركيزه كان على الشخصيات السنية، غير أنه لم يُوفِّر شخصيات من طوائف أُخرى.

كما وطّد علاقاته الهاتفية مع أصحاب الثروات الذين لديهم طموحات سياسيّة. بذلك، تمكّن من التأثير في الانتخابات النيابية التي جرت في عام 2022، ولا سيما على المرشحين في عكار، الذين حاولوا الاتّصال به لطلب الدعم السعودي. وكذلك، بلغ تأثيره بعض المسؤولين في تيار المستقبل، الذين صدّقوا بسببه أن الرئيس سعد الحريري عائد إلى العمل السياسي، ورتبوا أمورهم على هذا الأساس في الانتخابات الماضية، وحتّى الانتخابات المقبلة.

كما يتردّد أن "أبو عمر" لعب دورًا في الانتخابات البلدية في بيروت، عبر دفعه بعض المرشحين إلى الانسحاب، ومن بينهم - كما يُحكى، المرشح على موقع الرئيس بسام برغوت. فوفقًا للرواية المتداولة، انسحب برغوت بطلب من "أبو عمر". كما تلقى الأمير المزعوم أموالًا مقابل الطلب من النائب فؤاد مخزومي إدخال أحد المرشحين إلى اللائحة الائتلافية، التي كان يرأسها إبراهيم زيدان.

طلبات وأموال كـ"الشّتي"

كان يكفي أن يقول "أبو عمر" عبارته الشهيرة: "اهتموا بالشيخ خلدون"، حتّى تهطل الأموال والهدايا على الرجل الذي كان يتقاضى راتبًا شهريًا من بعضهم، على اعتبار أنه صلة وصلهم بالسعودية. واستحصل أيضًا على عقد باسم ابنه في مرفأ بيروت مع نجل النائب السابق طارق المرعبي، بعدما وقّعه الرئيس نجيب ميقاتي. ويتردّد أن النائب فؤاد مخزومي حوّل لـ"أبو عمر" نحو 500 ألف دولار لقاء إقناع السعودية بتبني ترشيحه إلى رئاسة الحكومة، والضغط على النواب لتسميته.

في المقابل، كانت طلبات تبني مرشحين للانتخابات النيابية والتوزير، وحتّى الدعم لاستعادة سلطة سياسية مفقودة، "تُشتِّي" على عريمط. وبدوره، كان "أبو عمر" يعرف كيف يؤجّل تنفيذ الوعود إلى حين "الوقت الذي يُفضِّله الديوان الملكي". وعليه، تطول لائحة الشخصيات التي تمكّن "أبو عمر" من إيقاعها في فخّه، والتي تبدأ بالرئيس فؤاد السنيورة، مرورًا برئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع وبعض قياديِّي "المستقبل"، ولا تنتهي عند النائبين فؤاد مخزومي وغسان حاصباني والنائب السابق ميشال فرعون والوزير السابق محمد شقير، إضافةً إلى معظم المرشحين المحتملين السنة في عكار وبيروت.

ورغم ابتعاد "أبو عمر" عن نسج علاقات مع شخصيات على علاقة قوية مع القنوات الرسمية في المملكة، نجحت بعض الشخصيات التي استهدفها في "قفرِه"، فلم تأخذه على محمل الجد، كالوزير السابق نهاد المشنوق، الذي لم يفتح المجال لعريمط كي يرتب له اتّصالًا بالأمير المزعوم.

وخلال هذه المدة، بدأ الرجل يُوسِّع دائرة علاقاته ويوطّدها عبر اتّصالات في فترات متلاحقة من أرقام سعودية وأجنبية. وتروي بعض الشخصيات أن "أبو عمر"، وبعد مرور مدة قصيرة على بناء الثقة مع بعض السياسيين، كان يتقصّد الحديث بطريقة استعلائية، وحصر الحديث بإعطاء الأوامر وتقديمها على أنها آتية من المملكة، ولا يمكن الاعتراض عليها، حتّى لا يجد المتحدث الظرف مناسبًا لطلب أي شيء. كما كان يطلب فتح مذياع الهاتف لدى اتّصاله بعدد من النواب لعلمه المسبق أنهم في اجتماع لكتلتهم، فيأمرهم بإصدار مواقف داعمة للمملكة أو الهجوم على قوى سياسية.

عودة السعودية وأزمة التكتّم

لكن السعودية باستئنافها التواصل الرسمي مع السياسيين اللبنانيين، وعودة الحياة إلى سفارتها في بيروت، ثمّ تكليف الأمير يزيد بن فرحان بالملف اللبناني، خلقت أزمة لدى "أبو عمر"، الذي سرعان ما وجد حلًّا عبر تحذير مُتَّصليه بعدم مفاتحة المسؤولين والديبلوماسيين السعوديين الموجودين في بيروت بأمره، كي لا يحرجوا أنفسهم، مشيرًا إلى أن هؤلاء موفدون لمهمات محدّدة، أمّا هو فمهمّته أوسع وتشمل التأثير في قرارات الديوان الملكي.

بذلك، لم تتأثّر أعمال "أبو عمر"، لا بل إن بعضهم قرّر عدم "التشبيك" مع ابن فرحان، على اعتبار أن لديه قناة سعودية رسمية قادرة على تحسين علاقته بالمملكة، وهو ما ردَّده رئيس حكومة سابق على مسامع زوّاره، ووصل بـ"البريد السريع" إلى ابن فرحان، الذي كان أيضًا، بحسب متابعين مقربين منه، يلاحظ برودة في العلاقة مع بعض الشخصيات السياسية التي لا تبدي حماسةً للتعاطي المباشر معه، أو شخصيات تغيرت حرارة استقبالها له.

تجميع الخيوط

ويشير المتابعون إلى أن الكثير من الخيوط كانت تتجمع لدى المعنيين، وأهمها عندما اتصل أحد المرشحين المحتملين للانتخابات النيابية في عكار بـ"أبو عمر"، ليجد أن الهاتف يرنُّ على الطاولة المجاورة، قبل أن يُعيد الكرَّة مرّة أخرى، ويتأكد أن صاحب الهاتف لا يمكن أن يكون مقربًا من "أبو عمر". ويؤكد متابعون أن الحسيان، الذي انتحل شخصية الشيخ السعودي، كان في المدة الأخيرة لصيقًا بعريمط، وكان يحضر بعض الاجتماعات معه ويستمع إلى النقاشات السياسية.

وبهذا الخيط، إضافةً إلى الأسئلة الكثيرة التي بات بعض السياسيين يطرحونها بين بعضهم عن "أبو عمر"، خصوصًا أنهم لم يجدوا له أي ظهور في السفارة أو مع ابن فرحان، جعل علامات الاستفهام تكبر لديهم. وبقي الوضع كذلك حتّى فاتحت إحدى الشخصيات اللبنانية الموفد السعودي خلال وجوده في بيروت في نهاية أيلول الماضي، بأمرِ "أبو عمر"، وسألته عن صلته بالديوان الملكي ومدى قربه من ولي العهد السعودي.

عندها بدأ ابن فرحان يتقصّى عن الأمر، وقابل بعض الشخصيات التي لها علاقة بالأمير المزعوم، وطلب منهم تسجيل الاتّصالات معه وتسليمها إلى مساعديه في بيروت. فقام هؤلاء بتحضير ملف متكامل يتضمن مستندات صوتية عن ادعاءات "أبو عمر"، أُرسل إلى المملكة في منتصف تشرين الأول الفائت.

ويتردّد أن ابن فرحان خصّص جزءًا من زيارته الأخيرة لبيروت في تشرين الثاني الماضي لتسليم السلطات اللبنانية ملف "أبو عمر". وعليه، بدأت مخابرات الجيش اللبناني تراقب الحسيان، الذي كان موجودًا في تلك المدة في سورية، وتمّ القبض عليه، قبل أن تنفضح قصته عند وصوله إلى حاجز الجيش عند الحدود اللبنانية. وتشير مصادر أمنية إلى أن الحسيان اعترف مباشرةً بعلاقته بعريمط، وأنه كان يعمل لحسابه.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد