لم تُقدِم السلطة السياسية منذ عام 2019، عام الانهيار الشامل المالي والنقدي والاقتصادي، على وضع خطة إنقاذ هادفة لتحقيق المصلحة الوطنية العليا، بحسب رؤية المنتدى الاقتصادي الاجتماعي الذي أصدر بياناً يفنّد الأوضاع المالية والاقتصادية والاجتماعية انطلاقاً من مشروع موازنة 2025 الذي باشر مجلس الوزراء بدرسه.
وفق رؤية المنتدى الاقتصادي والاجتماعي، فإن السلطة مسؤولة عن الانهيار، لكنها بدلاً من أن تبادر إلى وضع خطة إنقاذ، أقدمت على وضع الموازنة العامة لأعوام 2020 و2021 و2022 بلا أي رؤية، ما زاد من تجذّر حالة الانهيار، بل تفاقم بعدم إقرار الموازنة العامة لعام 2023. «فاستغلت السلطة الوضع المهترئ، وتراجع الحركة الشعبية المعارضة لها، وأقرّت عام 2024 موازنة زادت فيها الضرائب بنسبة لا تقل عن 763% مقارنةً مع موازنة عام 2022. وفرض معظم هذه الضرائب على الفقراء ومتوسطي الدخل، في متابعة لنهج تعميق وتوسيع الانهيار».
في النتيجة، «تفاقم الفقر وبلغ 44% وفقاً لأرقام البنك الدولي، وزادت البطالة والهجرة». ورغم هذا المشهد السوداوي، أقدمت وزارة المالية على تقديم مشروع موازنة لعام 2025، «يكرّس نهج الإفقار والإذلال للشعب اللبناني، ويفرض المشروع على المواطنين ضرائب إضافية تُقدّر بـ101 ألف مليار ليرة، أي بزيادة 33% عن عام 2024، في حين تراجع الإنفاق على الصحة من 13.17% من الإنفاق لعام 2024، إلى 8.94% لعام 2025. كما انخفض الإنفاق الحكومي على التعليم من 8.9% في موازنة عام 2024، إلى 8.54% في المشروع الجديد». في المقابل، ارتفعت الرسوم التي تجبيها الحكومة من طلاب الجامعة اللبنانية بنسبة 4520%، من 20 مليار ليرة، إلى 924 ملياراً، ما يشير إلى أنّ السلطة تريد تدمير التعليم الرسمي في لبنان، وتعزيز التعليم الخاص الطائفي والمذهبي.
يستشرف المنتدى خطورة بالغة في استمرار السلطة في نهج العجز في الموازنة والاستدانة. فمن المتوقّع أن تطلب الحكومة قروضاً قدرها 18 ألف مليار ليرة، لوصول العجز إلى نسبة 4% من إجمالي الموازنة. وهنا لا بدّ من الإشارة إلى عودة الحكومة لتسديد فوائد الدين العام بالعملتين الوطنية والأجنبية. وبلغت نسبة هذا البند من مجمل النفقات في مشروع الموازنة 7.8%، أي نحو 32 ألف مليار ليرة. وتقارب هذه النسبة الإنفاق الحكومي على كلّ من الصحة والتعليم.
تراجع الإنفاق على الصحة من 13.17% من الإنفاق لعام 2024 إلى 8.94% لعام 2025
ويُقدّر الإنفاق على البنى التحتية بـ42 ألف مليار ليرة، أي ما نسبته 15% من النفقات. لذا، يدين المنتدى عدم اكتراث الحكومة بإعادة تأهيل البنى التحتية من كهرباء، ومياه الشفة، والنقل، وشبكة الصرف الصحي، ولا سيّما بعد ترحيل الحكومة اعتمادات البنى التحتية في قوانين البرامج، والمُقدرة بـ1103 مليارات ليرة من عام 2022، إلى عام 2026. ويعني هذا المزيد من ترهل البنية التحتية في البلاد.
وأبدى المنتدى الاقتصادي والاجتماعي خشيته من خفض سعر صرف العملة الوطنية مقابل الدولار. وتخوّف من تحوّل الأمر إلى سياسة للسلطة الحاكمة. فالزيادة المُقدرة في واردات الموازنة يستحيل تحصيلها في ظل اقتصاد منكمش وراكد ومتراجع، ولا يمكن الوصول إلى الأرقام الواردة في الموازنة من نفقات وواردات إلا عبر خفض سعر الصرف، وقد أوحت بالأمر مؤسسات تصنيف عالمية، متوقعةً وصول سعر الصرف إلى 151 ألف ليرة لكل دولار.
وفي السياق، يطالب المنتدى الحكومة بمعالجة زيادة المدارس للأقساط المدرسية في المدارس الرسمية والخاصة، ودعم التعليم عبر فرض الضرائب على كبار المكلّفين. ويكرر المنتدى دعوته للقضاء لمتابعة الإجراءات القضائية بوجه الحاكم السابق للمركزي، داعياً السلطة إلى إعداد خطة إنقاذ اقتصادي ومالي ونقدي ومعيشي شاملة، ثم إعداد الموازنة على ضوء مرتكزات هذه الخطة.