منذ أكثر من شهر والعدوان الإسرائيلي على لبنان يتصاعد ويشمل مناطق مختلفة وحيوية في عموم البلاد، ومن بين المؤسسات التي طاولتها غارات ليلة يوم الأحد، العشرين من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، مكتب "دار الرافدين" الرئيسي الواقع في منطقة بئر العبد في ضاحية بيروت الجنوبية.
وفقًا لعدد من التسجيلات المصوّرة التي تناقلها روّاد مواقع التواصل الاجتماعي، ظهرت العمارة التي تتضمّن مكتب دار النشر العراقية اللبنانية بالإضافة إلى واحدٍ من أفرع مكتباتها، وقد سوّيت بالأرض وتحوّلت إلى ركام، في مشهد يتقاطع ويذكّر بجرائم الإبادة الثقافية والمكانية التي يُمارسها جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزّة، وتدميره للمعالم التراثية والمؤسسات الثقافية والفنية طيلة أكثر من عام.
من جهته؛ أوضح الناشر محمد الهادي، مسؤول النشر في "دار الرافدين"، بحديث إلى "العربي الجديد": "اقتصرت الأضرار على الماديات فقط، كما أن القصف استهدف الحيّ برمّته الذي يقع فيه مقرّنا الرئيسي، وليس المقرّ في ذاته، وفي هذا المكتب نجري عمليات التحرير والتدقيق والتسويق لمنشوراتنا منذ تأسيس المكتبة في العام 2004، وبالعموم نحن نعيش وقائع الحرب ومتأثرون بمحاولات الاحتلال قتل النشاط الثقافي في لبنان منذ اليوم الأول للعدوان، لكننا سنعود قريبًا بخطط بديلة للعمل واستجماع أرشيفنا، وسنعيد بناء هذه المؤسسة الثقافية بحلّة أبهى وبنفس أقوى".
لقي الحدث تضامنًا واسعًا من ناشرين وكتّاب وكذلك قرّاء عرب، عبّروا عن استنكارهم للجريمة التي تندرج ضمن رؤية ممنهجة بدأت منذ أيام العدوان الأولى قبل أكثر من عام. حيث كتب الناشر محمد البعلي، مسؤول النشر في "دار صفصافة" المصرية: "كل التضامن مع فريق دار الرافدين ببيروت، الذين تعرض مقرّهم اليوم للتدمير بفعل غارات العدو"، أمّا الكاتبة الجزائرية فضيلة الفاروق فكتبت: "حتى الكتب لم تسلم من القصف، مكتبة دار الرافدين ببيروت فرع بير العبد، تضرّرت بالكامل من جراء القصف العنيف على المنطقة، كم هي مخيفة عصارة العقول، كل الحروب انتهت وانتصرت الأفكار والعقول".
كما كتَب محمد مهدي، أحد العاملين في الدار: "في عملٍ مغولي، قامت طائرات الصهاينة الليلة الماضية بقصف البناية التي يتواجد فيها مكتب دار الرافدين وتدميره، الحمد لله جميع كادرنا بخير ولم يُصبْ أحدٌ بأذى، وفي ذات التوقيت كانت آخر إصداراتنا التي في الصورة قد وصلت من بيروت إلى بغداد، الإصدارات التي عمل الأخ محمد الهادي بسواعد كادرنا هناك على إنتاجها، ومحاولات شحنها وإنقاذها حتى أثناء أيام الحرب العصيبة الماضية".
يُشار إلى أن الأنشطة والفعاليات الثقافية في لبنان قد توقّفت بفعل العدوان الإسرائيلي الذي خلّف أكثر من 2400 شهيد، كما تحوّل عدد من المؤسسات الثقافية والمسارح داخل بيروت، والمدن الكبرى مثل صيدا وصور إلى ملاجئ للنازحين، في حين تقع مؤسسات أُخرى في دائرة المرافق الحيوية التي يُمكن للاحتلال أن يستهدفها.