لم ينم أهل البقاع ليل أول أمس. وصلوا ليلهم بفجرهم، حتى اللحظة التي أُعلن فيها رسمياً وقف إطلاق النار. لم تكد عقارب الساعة تعلن الرابعة فجراً، حتى امتلأت الطرقات بالعائدين إلى بيوتهم، ولو كانت مدمّرة. قوافل من السيارات والباصات ارتفعت منها شارات النصر والأعلام «الصفراء» وصوت السيّد الذي خرق سكون الفجر. كأنّ تلك البلاد لم تشهد حرباً، إذ عادت إليها سريعاً مظاهر الحياة، حيث كان أول العائدين من نزحوا إلى مناطق قريبة من قراهم، وتحديداً أهالي بعلبك - الهرمل الذين نزحوا إلى قرى دير الأحمر والقاع. عبّد أولئك الطرقات، قبل أن يعود تدريجياً النازحون إلى قرى جبل لبنان والبترون وطرابلس وعكار ممن اضطروا إلى سلوك الطريق الساحلية باتجاه ضهر البيدر بعدما أُقفلت طريق الأرز - عيناتا وعيون السيمان والعاقورة بسبب الثلوج. أما آخر القادمين، فكانوا أولئك الذين نزحوا إلى سوريا الذين تأخّر قدومهم حتى ساعات ما بعد الظهر، ريثما أنهت وزارة الأشغال العامة ردم حفرتين ضخمتين خلّفتهما طائرات العدو عند نقطة المصنع. مع ذلك، لم يعد الكثيرون ممن لجأوا إلى سوريا ليس فقط بسبب الزحمة وإنما أيضاً لعدم توفّر آليات لنقلهم. ويُتوقع أن يبدأ أيضاً وصول مئات العائلات الأخرى التي نزحت إلى العراق.
هكذا، لم تهدأ الحركة على الطرقات طوال يوم أمس، فقوافل السيارات عند تقاطع الفرزل - زحلة - بعلبك - غربي بعلبك كانت أشبه بسلسلة مترابطة لم تنقطع باتجاه قرى بعلبك وشرقيّها وصولاً حتى مدينة بعلبك وضواحيها. وبلغت نسبة العائدين، بحسب محافظ بعلبك - الهرمل، بشير خضر، حتى ليل أمس 50% من النازحين. لم يأبه هؤلاء لمعرفة إن كانت بيوتهم مدمّرة أو ما زالت «واقفة»، فكل ما يهمّهم في تلك اللحظة أن «نرجع»، تقول السبعينية فاطمة حمية التي أصرّت على العودة رغم علمها بأن منزلها بات «نصف منزل»، إذ إن «الحجر يعاد بناؤه والمهم أننا عدنا ورأسنا مرفوع ورايتنا لم تسقط ولن تسقط».
سابق علي سماحة شمس الصباح عائداً من بلدة سعدنايل إلى بلدته التليلة. فرغم الدمار الذي خلّفه العدو في بيوت قرى البقاع ، إلا أنها «لا تزال تصلح لعيش الشرفاء والأبطال رغم أنف العدو»، يقول أحد شباب بلدة طاريا الذين تجمهروا لاستقبال النازحين بالقهوة وأناشيد الانتصار.
يتكرّر المشهد نفسه عند مفترق كل بلدة يعود أهلها. في شمسطار التي لا تزال تكفكف دموعها على 21 شهيداً سقطوا قبل يومين من وقف إطلاق النار، تصرّف أهلها الصامدون مع العائدين كما غيرهم من البلدات المجاورة، حيث كانت الاستقبالات بالزغاريد. ومن شمسطار إلى بوداي وفلاوى وبدنايل وقصرنبا وتمنين، كان المشهد واحداً: شارة النصر والزغاريد.
العائدون صُدموا بهمجية العدو الإسرائيلي، بعدما رأوا بأمّ العين ما كانت تنقله الشاشات. أحياء اختفت بيوتها، حتى «إننا لم نعرف الحي الذي وُلدنا وعشنا فيه لأن كل شيء كان ركاماً»، تقول ريم، من بلدة السفري.
في بعلبك التي شهدت أول أمس جولة الجنون الأخيرة للعدو، تاه كثيرون عن بيوتهم، فيما طغى مشهد الركام على كل شيء بعدما نالت المدينة قسطاً وافراً من الهمجية الإسرائيلية، فيما كان حيا الشراونة والشيخ حبيب يلملمان أشلاء غارات أول أمس، بعدما ارتكب العدو الإسرائيلي مجزرتين راح ضحيتهما أكثر من 10 شهداء. بين عائدين منتصرين وآخرين يشيّعون شهداءهم، عادت الحركة بقوّة إلى المدينة التي صمدت الآلاف من عائلاتها داخل الأحياء التي لم تشهد موجات قصف كبيرة.