أوراق سياسية

فريق عوكر ووهم استثمار الحدث السوريّ في الطريق إلى بعبدا...

post-img

على وقع استباحة العدوّ "الإسرائيلي" لأرض سورية، يعلو صوت الاحتفاليات في جوّ المتأمركين في لبنان، ويتخذ من موضوع انتخابات رئاسة الجمهورية ساحة يعوم فيها في مياه الشعور بالاستقواء، ويغرق منتشيًا في وهم انتصار الخيار الأميركي في لبنان.. بكلام آخر، منذ اللحظة الأولى للتحوّل الدراماتيكي في سورية، وبدء الاحتلال "الإسرائيلي" بالسطو على أراضيها على مرأى العالم ومسمعه، شعر بعض من في لبنان بجرعة قوّة، أوهمته بأنّ القدر ابتسم له أخيرًا، وفتح لسمير جعجع الدرب إلى قصر بعبدا. وأكثر من ذلك، حسب هذا هؤلاء فإنّ ما يجري في سورية هو الفرصة التاريخية للاستقواء على المقاومة وحضورها السياسي والتمثيلي، وانفصل تمامًا عن الواقع الذي يقول، إنّه بمعزل عن المشهد السوري، هزمت المقاومة أميركا و"إسرائيلها" للتوّ على أعتاب قرى الحافة، والذي يقول أيضًا إنّ القوّة التمثيلية الوازنة التي تتمتّع بها المقاومة في لبنان تمنع أيّ مكوّن من استضعافها أو استبعادها أو حتى وضع الشروط على حركتها السياسية ودورها في انتخاب رئيس للجمهورية.. هذا الواقع غاب عن ذهن العديد من أهل الإعلام والسياسة، أو تناسوه عمدًا، في لحظة الانتشاء بتغيّر النظام في الدولة السورية والبهجة برؤية العدوّ وهو يستبيح أراضيها ويعتدي على مراكزها العسكرية والعلمية وينتقم من البلد الذي احتضن لعشرات السنين حركات المقاومة ولم يساوم. 

عادة، كان هؤلاء وفي إطار كيل الاتهامات المغرضة للمقاومة، يدّعون أنّ حزب الله "يستقوي بالخارج" ويقصدون - ممّن يقصدون - الجمهورية العربية السوريّة، على اعتبار أنّها دولة معادية للصهاينة وحجر أساس في محور المقاومة. ولسخرية الأقدار، لم يستطع هؤلاء إخفاء استقوائهم بالعدوان على سورية، المتكامل مع التحوّل الحاصل فيها، ليستعجلوا استثماره في شأن محلّي يُدعى رئاسة الجمهورية، وبالتالي، ظنّوا أنّ الأمر حُسم لصالح سمير جعجع، أو أي شبيه له من حيث الانتماء، على اعتبار أنّ في الخارج، من سيدعمه. 

وبعد، تستمرّ الاحتفاليات على منصّات الفريق العوكري العامل بالسياسة والإعلام، والتي تتزامن مع تغييب أيّ موقف يتعلّق بالاعتداءات "الإسرائيلية" المتواصلة على أرض سورية، كأن هذه الاعتداءات هي عارض جانبيّ وحتميّ على هامش سقوط نظام الرئيس الأسد وسيطرة الجماعات المسلحة على مقاليد الحكم! تستمرّ حالة الثمالة والشعور بفائض القوّة لدى هؤلاء فقط، لأن سورية اليوم لم تعد كالأمس، ممّا يوضح بالأساس سبب معاداتهم لسورية على مرّ هذه السنوات: هم يعادون كلّ من يعادي أميركا وإسرائيل، ويرقصون ابتهاجًا على كلّ لحن يعزف "مكاسب" أميركية و"إسرائيلية" في المنطقة. وفي ذلك تعرٍّ فاضح من كلّ نموذج مهنيّ وأخلاقيّ، وحتى من كلّ ما يمتّ إلى شرف الخصومة بصلة. ولعلّ المبالغة في ابتهاجهم المدوّي هذا تأتي كتعويض نفسيّ حيال العجز "الإسرائيلي" في الميدان طوال شهرين والذي صعّب عليهم مهمة أداء وتنفيذ التعليمة العوكرية التي قضت بوجوب التسويق لوهم هزيمة حزب الله كأمر وقع تمّ تجاوزه. فمحاولاتهم في هذا الصدد لم تحظَ بصدى وازن بسبب كونها تتناقض جهارًا مع الواقع المشهود، ولا سيما مع حديث الصهاينة عن خسائرهم الميدانية المعتبرة ورفض مستوطني الشمال العودة بسبب خوفهم وعدم ثقتهم بجيشهم. وفيما كانوا يتخبطون في محاولة تظهير هزيمة لم تقع، والبناء عليها، جاءهم خبر سورية، فشدّ عصبهم وأتاح لهم فرصة التأمّل باستثمار للحدث السوري في الداخل اللبناني، سواء من أجل استضعاف حزب الله أو الاستقواء بالمجريات السورية لتحقيق ما عجزت عنه الدبابات "الإسرائيلية" عند الحدود وقوات النخبة التي عاد معظم أفرادها قتلى وجرحى، أو مصابين بأعراض عصبية مقلقة!

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد