أوراق ثقافية

«تراتيل» مسرحية تونسية تفضح قيم الغرب المتناقضة وتنتصر لفلسطين

post-img

أثارت مسرحية «تراتيل» التي عُرضت خلال أيام قرطاج المسرحية في «شارع الحبيب بورقيبة» في العاصمة التونسية جدلا واسعًا على وسائل التواصل، لما يحتويه نصها من قضايا وطنية وعربية وفضحا لقيم غربية متناقضة.

المسرحية التي أعدها وأخرجها الممثل المسرحي التونسي مهذب الرميلي بمشاركة تلاميذ معهد الفنون بالعمران، سلطت الضوء على مفاهيم ثقافية وفنية عميقة تفضح تناقضات الجماليات الغربية، خاصة في ظل الممارسات الإسرائيلية في فلسطين.

الرميلي أوضح في مقابلة أن «تراتيل» كان من المفترض أن تُعرض في القاعات، ولكن قرر فريق العمل عرضها في الشارع لما تتيحه من تفاعل مباشر مع الجمهور.

أشار إلى أن المسرحية تستوحي عناصرها من الأساطير اليونانية، وخاصة أسطورة «أوديب ملكًا» للكاتب المسرحي سوفوكليس. وأضاف: «العمل يطرح نشأة المسرح وعلاقة الأسطورة به، ويعيد النظر في تأثير الجماليات الغربية على الفن المعاصر». ومن حيث استغراب الأزياء والحوار، أحدثت «تراتيل» ضجة على وسائل التواصل في تونس، وطرحت تساؤلات عديدة لاسيما عن ارتداء الممثلين ملابس حيكت من قماش أكياس القمح.

علق الرميلي بأن «التلاميذ قدموا أداءً جيدا والشارع تفاعل معهم بإعادة ترديد بعض نصوص العرض، وبعض النساء كن يزغردن، إلا أن البعض أخذ مشاهد صغيرة ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعي، وانساق مع استهجان العمل وطرح تساؤلات سلبية حوله».

وتابع: «انطلاقا من استلهام الأساطير، بنينا فرضية أخرى لجمع أحداث تلك الأساطير، مع إسقاطات على الواقع اليومي والدولي، باعتبار أن الفعل المسرحي ضروري أن يتعامل مع الواقع». و «مَن حضر واستمع للنص يجد قضايا وطنية وقضايا عربية ويجد فلسطين حاضرة في النص من خلال جماليات فنية غربية، باعتبار أننا انطلقنا من أساطير يونانية، وفيه (العمل) رسالة أن الفن له بعد فني كوني عالمي، ولكن ليس نقلا للجماليات الغربية فقط، بل هناك إضافة».

وأردف: «من حقنا أن ننطلق من تلك الجماليات، وإسقاطها على واقعنا، وتكون مبنية على روح جمالية تقبل المحلي، والإيقاعات التي سمعها الناس في المسرحية ليست غريبة عن الواقع المحلي، بعضها يذكِّر بالحضرة (موسيقى صوفية) وحتى ببعض الابتهالات الدينية، وهذا متعمد ليكون هناك قرب عاطفي من المتقبل».

المدينة المدمرة.. فلسطين

أوضح الرميلي أن «الأزياء وبعض الرقصات والايقاعات ليست لشد الانتباه والغرائبية، بل هو الاشتغال على الشخصيات والحكاية، وكل حركة لشخصية مبنية على بحث معمق حول الأسطورة والفكر والحدث في حد ذاته» . وتابع أن «أبطال المسرحية في احتفالية دينية، على أساس أن أهل طيبة في الأسطورة المتوارثة بعد اللعنة التي حلت بالمدينة، وبعد أن عرف أوديب الحقيقة ونُفِيَ، توجهوا إلى الإله أبولو وتبين أن اللعنة أتت من الحكام».

و»المدينة المدمرة أسقطنا عليها الوطن المدمر في فلسطين، وكأننا حمّلنا الأخطاء لمَن يتحملها وطرحنا سؤال: هل هذا المواطن الذي ضربه صاروخ مسؤول أم أطراف أخرى في إطار صراعات سياسية إقليمية، ولم يكن علينا الذهاب إلى المباشرتية»، كما زاد الرميلي.

الرجل اعتبر أن «تراتيل» تشكل تمردًا فكريًا وفنيًا ضد الجماليات الغربية التي يرى أنها قائمة على زيف فكري. وقال: «الفن الغربي يقدم نفسه كحامل لقيم إنسانية عالمية، لكننا نرى اليوم شعوبًا تُباد مثلما يحدث في فلسطين، في حين يبرر الغرب تلك الجرائم».

وأضاف: «اليوم لا بد من مواجهة الفكر الغربي، لن ننسخ جمالياتهم، بل سنأخذ منها ما يفيدنا ونضيف إليه من روحنا وثقافتنا المحلية».

الفنان التونسي استشهد بمفهوم «الاقتحام الأخلاقي» للمخرج البولندي ييجي غروتوفسكي، مشددًا على أن «الاقتحام الأخلاقي» لا يعني الالتزام بالمعايير الأخلاقية، بل كسر الجمود الفكري. وأكد أنه يسعى إلى خلق حالة من الإرباك الفكري لدى المشاهد، مشيرًا إلى سعادته بردود الفعل التي أثارتها «تراتيل» في الشارع.

الرميلي تطرق إلى دور الفن في الثورات، مشيرا إلى أن الثورة التونسية (2011 التي أطاحت بنظام زين العابدين بن علي) عانت من محاولة تأطيرها في قوالب جاهزة.

وقال: «الثورة ماتت يوم وُضعت لها نماذج ثابتة لا يمكن الخروج عنها»، ودعا إلى «تحرير الفن من كل القوالب والأطر، مؤكدًا أن الجرأة الفنية يجب أن تكون بناءة وليست وقحة».

غياب العدالة

سألنا الرميلي بشأن ما إذا كان مسلسل «الحرقة» (عرض على التلفزيون التونسي عام 2021)، و»عطيل وبعد» (مسرحية عرضت الصيف الماضي بمهرجان الحمامات) يمثلان احتجاجا على غياب العدالة عالميا وطلب الحق في العيش الكريم وتقرير المصير بالنسبة لفلسطين.

أجاب قائلا: «نعم، قصدت ذلك، فالفن موقف»، لافتا إلى أن غياب العدالة الاجتماعية عالميا هو ما يدفع الناس إلى ركوب مخاطر الهجرة غير النظامية بحثا عن عيش كريم في الغرب. وأكد أن «ملف الهجرة غير النظامية (الذي تناوله مسلسل الحرقة) وقع استعماله للضغط وللابتزاز السياسي». وأضاف: «الاتحاد الأوروبي صنف في وقت من الأوقات الموضوع (الهجرة) على أنه أمني، ورُصدت أموالا للدول لتكون حرسا لحدوده».

وأردف قائلًا: «بدلًا من استثمار الأموال في إنشاء مصانع تساهم في الحد من هجرة السكان، لا سيما في المناطق الحدودية عبر توفير فرص عمل، جرى التمويه ببعض المشاريع الشكلية، في حين خُصصت معظم الأموال للقضايا الأمنية».

الرميلي قال إنه «في مسلسل «الحرقة».. نقول هل تريدوننا أن نصدق أن أحدهم يغادر بلدته والمياه الإقليمية والمياه الدولية ويصل إلى إيطاليا دون أن يُتفطن له (يُكشف أمره).. لا نصدق هذا»، في إشارة إلى أن السلطات تغض الطرف.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد