يبدو أن فائض القوة ليس حكراً على طرف واحد. فمنذ سقوط نظام بشّار الأسد، تحوّلت الأنظار اللبنانيّة إلى عددٍ من التنظيمات الإسلاميّة وعلمائها في لبنان، والتي تصرّفت على أنها لم تعد مهيضة الجناح، وهي تريد حصتها من الاستثمار، فأطلقت معركة أولى، تحت عنوان إقرار قانون عفو عام جديد، هدفه الفعلي، إطلاق سراح كل السجناء من القوى الإسلامية الذين أُوقفوا بسبب انخراطهم في أنشطة أمنية وعسكرية وسياسية ضد قوى الحكم في لبنان، بما في ذلك الجيش والقوى الأمنية.
وتنطلق هذه القوى، من أنّ «الأسباب السياسيّة» التي أدّت إلى توقيفهم قد انتفت، على حد تعبيرها. وهي تأمل أصلاً، في أن الحكم الجديد في سوريا، وعد بأنه سيعمل بالتعاون مع السلطات اللبنانية على إطلاق سراح الإسلاميين السوريين في سجون لبنان، أو تسليمهم إلى سوريا لاستكمال محكوميتهم في سجونها. وهو ما يسمح بإطلاق رفاقهم من اللبنانيين، «الذين لم يحظوا بمحاكمات عادلة أو إبقائهم موقوفين من دون أحكام بعد سنوات من إلقاء القبض عليهم».
ومنذ نحو أسبوع، اشتد الضغط على السلطة في لبنان، مجلساً نيابياً وحكومة وقضاء. وانطلقت التحركات والاجتماعات وأُطلقت المواقف السياسيّة. وسوف يكون لهذه القوى وقفتها اليوم (الأحد) في رياض الصلح، بدعوة من «أهالي المعتقلين في لبنان» وبالتنسيق مع «هيئة علماء المسلمين»، علماً أن معظم خطباء المساجد ركّزوا على هذه القضية، في مساجد بيروت والمناطق على حد سواء، خصوصاً أن دار الفتوى لا تمانع الوصول إلى حل يناسب عائلات هؤلاء.
إذاً، هناك من يُحاول خلق «رأي عام سني» ضاغط لإطلاق سراح الموقوفين، مع التّركيز على «مظلوميّتهم من جهة، وتدهور أوضاع السجون في ظلّ الاكتظاظ وغياب المعايير الإنسانيّة»، وذلك مقابل اتصالات تقودها دار الفتوى وعدد من السياسيين؛ بعضهم متحمّس لإنهاء هذا الملف بغية «الكسب الشعبي»، فيما البعض الآخر يتخوّف من أن يكون باباً لتفجير الوضع الدّاخلي.
ورغم هذا الضّغط والمواقف التي صدرت عن العديد من المرجعيّات، بمن في ذلك رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ومفتي الجمهوريّة الشيخ عبد اللطيف دريان، إلّا أنّه لم تظهر بعد المؤشّرات الجديّة على نيّة القوى السياسيّة السيْر باقتراح قانون العفو، ولم تظهر علامات إيجابية على قرب انعقاد جلسة نيابيّة بنصابٍ مضمون لتمريره القانون، سيما أن هناك من يعارض تحويل قوانين العفو إلى عرفٍ يؤدي إلى استسهال ارتكاب الجرائم ويعتبر أنّه من الأجدى فتح محاكمات عادلة والتسريع بها عبر لجان قضائيّة متخصّصة، فيما القسم الآخر يُعارض العفو الذي يشمل قاتلي العسكريين تحديداً.
«الاعتدال» و«الهيئة»: تفرّق العشاق
هذه «الأشواك» لم تسمح حتّى السّاعة لـنواب «كتلة الاعتدال» من صياغة اقتراح قانون (من المفترض أن يتقدّموا به إلى الأمانة العامّة لمجلس النوّاب مطلع الأسبوع المقبل)، يلبّي جميع التطلّعات. وعلمت «الأخبار» أنّ لجنة أهالي كلّ الموقوفين (لا تشمل فقط المتهمين بالإرهاب)، ومعها «هيئة علماء المسلمين» رفضتا مشروع «كتلة الاعتدال»، ولم تثمر الاجتماعات بين الطرفين في الوصول إلى معالجة مُلاحظات على أكثر من 11 نقطة تضمّنها الاقتراح.
ويرى العلماء ولجنة الأهالي أنّ اقتراح القانون لا يؤمّن إطلاق سراح الموقوفين الإسلاميين، بسبب تضمين المشروع استثناء المُتهمين في قتل عسكريين. وفي هذه النقطة، يعترض الأهالي من زاوية أنه تم تلفيق تهم قتل عسكريين لأبنائهم واعترفوا بها تحت الضغط والتعذيب، وأعادوا بالذاكرة إلى الشكوك التي تُحيط بطريقة الحصول على الاعترافات من الموقوفين لدى الأجهزة الأمنيّة، والتي تغيب عن الاستجواب الاستنطاقي لاحقاً أمام قاضي التحقيق.
وفي هذا السياق، يتردّد أنّ أبرز نقاط الاختلاف، تكمن في أن النواب يرفضون أن يشمل اقتراح القانون الشيخ أحمد الأسير. فيما يصر بعض الأهالي وعلماء على عدم استثنائه لـ«رمزيّته» في هذه القضيّة وذلك بعدما قضى على توقيفه 12 سنة سجنيّة. وهو ما يؤكد عليه ملصق دعوة أهالي الموقوفين للمُشاركة في الاعتصام غداً في رياض الصلح، والتي حملت فقط صوَر الأسير والشيخ خالد المحمّد (المعروف بخالد حبلص) والشيخ مصطفى الحجيري الملقّب بـ«أبو طاقية»، والشيخ عمر الأطرش.