أوراق سياسية

تمديد الفترة الانتقالية في سوريا وتمييع خطواتها: الشرع يؤسّس لحكم مستدام

post-img

في تصريحات تؤسّس لمرحلة انتقالية طويلة تمنحه فترة كافية لترسيخ حكم طويل، أعلن قائد «إدارة العمليات العسكرية» التي تحكم سوريا الآن، أحمد الشرع، أن الفترة الانتقالية قد تطول، وتصل إلى نحو أربع سنوات، ريثما يتم إعداد دستور وتنفيذ إحصاء للسوريين، والاستعداد للانتخابات في البلاد. ويأتي ذلك في وقت من المنتظر فيه أن يتم الاتفاق على تشكيل مجلس يشبه المجلس الرئاسي الليبي، الذي جاء لسدّ الفراغ الدستوري في ليبيا بعد سقوط نظام معمر القذافي، وانقسام البلاد إلى شطرين، شرقي بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر بدعم روسي، وغربي بقيادة عبد الحميد الدبيبة بدعم تركي.

وغازل الشرع، في تصريحات أدلى بها إلى قناتي «العربية» و«الحدث» السعوديتين، دول الخليج وعلى رأسها السعودية، وأطلق وعوداً بحماية أمن الخليج «لخمسين سنة قادمة»، من دون الإدلاء بأي تفاصيل إضافية، في إشارة إلى ملفات عديدة، من بينها ملفا المخدّرات (الكبتاغون) و«الجهاديين». وفي رسالة مباشرة إلى المملكة، قال الرجل الذي يقود سوريا حالياً إن «التصريحات السعودية الأخيرة إيجابية جداً»، مضيفاً أن «المملكة تسعى لاستقرار سوريا وتتمتع بفرص استثمارية كبرى داخلها». وتابع: «أفتخر بكل ما قدّمته السعودية من أجل سوريا، ولها دور كبير في مستقبل البلاد»، معرباً عن اعتزازه بولادته وإقامته حتى سن السابعة في الرياض، التي عبّر عن رغبته في زيارتها مجدداً. وتطرق الشرع أيضاً إلى ملفات سياسية عديدة، من بينها العلاقات مع إيران التي أعرب عن أمله في أن «تعيد النظر في سياساتها وتدخلاتها الإقليمية»، قائلاً إنه يطمح «إلى دور إيراني إيجابي في المنطقة». وحول العلاقة مع روسيا، رأى الشرع أن الأخيرة «ثانية أقوى دولة في العالم وتتمتع بأهمية استراتيجية لسوريا»، مؤكداً عدم الرغبة في خروج موسكو من سوريا بطريقة تضر بعلاقتها مع دمشق، وبالمصالح المشتركة بين البلدين.

وخلال اليومين الماضيين، تابع الشرع نشاطه السياسي ولقاءاته المكثّفة، والتي كان أبرزها استقبال وفد ليبي (من الغرب) ترأّسه وزير الدولة للاتصال والشؤون السياسية، وليد اللافي، فضلاً عن استقباله وفداً بحرينياً. وفي وقت تم فيه تداول أنباء عن زيارة مرتقبة لوزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، إلى دمشق، نفت مصادر مصرية وجود خطة لإجراء زيارة في الوقت الحالي. وبالتزامن مع غزله للسعودية، وتودّده إلى معظم دول الجوار، والتي قدّم وعوداً لها بانفتاح سياسي وحياد حيال الصراعات، أعلن الشرع خطته لمستقبل سوريا، والتي طالب بأربع سنوات على الأقل لترتيبها؛ إذ اعتبر أن إعداد وكتابة دستور جديد في البلاد، قد يستغرقان «قرابة ثلاث سنوات»، وتنظيم انتخابات قد يتطلب «4 سنوات». ويعني ذلك إحالة المسألة الدستورية إلى المجلس المزمع تشكيله بعد عقد لقاءات «الحوار الوطني» الموسّع، والذي بدأ التحضير له بلقاء تمهيدي ضمّ شيوخ عشائر وشخصيات سورية ممثّلة عن بعض الطوائف، ولم يخرج بأي جديد باستثناء بيان يدعم «الإدارة». ويأتي هذا وسط حضور خجول جداً للدور النسائي، والذي شغل الشارع السوري خلال اليومين الماضيين، بعد تصريحات متشددة أطلقتها مسؤولة مكتب المرأة في «الحكومة المؤقتة»، عائشة الدبس، رأت فيها أن «للمرأة دوراً فطرياً في تربية الأطفال»، بالإضافة إلى رفضها الحوار مع أي جهة لا تتوافق معها في الأفكار، وحديثها عن اعتماد الشريعة الإسلامية، في استباق لمخرجات مؤتمر الحوار، ما يمكن أن يعطي انطباعاً حول مستقبل شكل الحكم في سوريا، والذي قد يغلب عليه التشدد والذكورية.

وفي محاولة لتبرير استئثاره بالحكم في المرحلة الانتقالية عبر تشكيل حكومة تابعة له بشكل مباشر، قال الشرع إن «الكلام عن تعيينات اللون الواحد صحيح لأن المرحلة تحتاج إلى انسجام»، مدافعاً بأن شكل التعيينات الحالي كان من ضرورات المرحلة وليس إقصاء لأحد، كما أنه ليس هناك قلق في الداخل السوري فالسوريون متعايشون، على حد تعبيره. وفي قرار يأتي في إطار السيطرة على وزارة الدفاع، والتي أعلن الشرع تأسيسها بعد حل الجيش، وتكليف مرهف أبو قصرة برئاستها، أصدر «قائد غرفة العمليات» قراراً بترفيع عدد من الضباط إلى رتب أعلى، بينهم أبو قصرة الذي تم ترفيعه إلى منصب لواء. وجاء القرار بعد لقاء أجراه الشرع مع عدد من قادة الفصائل في سوريا، والذين يتوافدون بشكل متتابع إلى القصر الجمهوري في دمشق، للتخطيط للمرحلة المقبلة، والتي من المفترض أن يتم خلالها حل الفصائل وضم مقاتليها إلى وزارة الدفاع الناشئة.

بدوره، يتابع رئيس جهاز المخابرات العامة في «الحكومة المؤقتة»، أنس خطاب (أبو أحمد حدود)، تشكيل المؤسسة الأمنية في سوريا، وسط وعود أطلقها عبر تصريحات إعلامية بأن جهاز الاستخبارات «لن يدّخر جهداً في سبيل حفظ أمن المواطنين ورعاية حقوقهم على أكمل وجه»، كما سيقف في وجه «العابثين والمجرمين الذين يحاولون ليلَ نهارَ النيل مما وصلنا إليه»، من دون توضحيات حول شكل الجهاز الاستخباراتي الجديد وآلية عمله، علماً أن سوريا كانت تضم عدداً من الأجهزة الأمنية (الاستخبارات العامة – أمن الدولة، والاستخبارات السياسية، والجوية والعسكرية).
وعلى الصعيد الأمني، تتابع «إدارة العمليات العسكرية»، و«جهاز الأمن» التابع لـ«هيئة تحرير الشام» ما قالا إنها «عمليات تمشيط للقبض على فلول النظام السابق»، وسط اشتباكات متقطعة في بعض مناطق أرياف حمص واللاذقية وطرطوس، والتي تمت فيها محاصرة عدد من القرى، في وقت بدأت فيه «قوات الإدارة»، ولأول مرة، استعمال الطائرات المروحية في المعارك الدائرة ببعض مناطق ريف اللاذقية، وسط شح في المعلومات حول مجريات الاشتباكات الدائرة أو نتائجها، إذ يُعمل بالتعتيم المشدّد على الأحداث، إضافة إلى التهديد بفرض عقوبات صارمة على كل من يقوم بتصوير التحركات العسكرية الجارية.
 

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد