أثار قرار ترفيع عدد من «الضباط» في التشكيل الإداري للجيش السوري الجديد، والذي يؤسّسه أحمد الشرع، جدلاً واسعاً في المجتمع السوري، بسبب وجود أسماء عديدة لأشخاص غير سوريين، قدموا إلى سوريا خلال السنوات الماضية بدافع «الجهاد»، وأصبحوا الآن أحد أعمدة جيش البلاد، حتى قبل أن تتم تسوية أوضاعهم ويحصلوا على الجنسية السورية. يأتي ذلك في وقت وصل فيه مسؤولو كييف إلى دمشق لقطف ثمار علاقة الأولى المتينة بـ«هيئة تحرير الشام» التي تحكم سوريا حالياً، في سياق استراتيجية الصراع مع موسكو في مناطق بعيدة.
وطرح القرار المذكور، والذي وقّعه الشرع (الجولاني)، تساؤلات حول الآلية القانونية التي اعتمدها «القائد العام» للتوقيع على مثل هذا القرار قبل تشكيل دستور جديد للبلاد، وفي ظل حكم «مؤقت» من المفترض أن يكون هدفه تسيير شؤون المؤسسات والتحضير لمرحلة مقبلة مستقرة، أعلن الشرع أنها ستمتد لأربعة أعوام.
واحتوت القائمة التي تصدّرها وزير الدفاع الجديد، مرهف أبو قصرة، الذي تم ترفيعه إلى رتبة لواء، نحو 50 اسماً، معظمهم من السوريين القادمين إلى المؤسسة العسكرية من دون خلفية أكاديمية، إلى جانب عدد من الأسماء الأجنبية، وبينهم الأردني والتركستاني والطاجكستاني والشيشاني، في الوقت الذي تم فيه إبعاد ضباط الجيش السوري، سواء الذين قاموا بتسليم أنفسهم للقيادة الجديدة، أو حتى المنشقين الذين تركوا القتال خلال السنوات الماضية. وفيما تزامنت الترفيعات مع استعراض عسكري في العاصمة السورية، فهي رسمت صورة مبدئية لاحتكار واضح من قبل «الهيئة» التي يقودها الشرع، وباتت تُحكم قبضتها على الحكومة السورية وعلى جميع مفاصل الدولة، بما فيها المؤسسة الأمنية. وهذه الأخيرة التي لم يتمّ بعد الإعلان عن هيكليتها، تسود توقعات بأن يجري فيها استنساخ تجربة إدلب، والتي كان لغير السوريين دور بارز فيها أيضاً، علماً أن غير السوريين الذين قدموا إلى سوريا رفعوا، ولا يزالون، شعارات تدعو إلى إقامة «خلافة إسلامية».
في غضون ذلك، وصل إلى العاصمة السورية دمشق وزير الخارجية الأوكراني، أندريه سيبيغا، الذي أجرى لقاءً طويلاً مع الشرع في قصر الشعب، معرباً عن أمله بتمتين العلاقات بين البلدين. وفي مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الخارجية في الحكومة السورية المؤقتة، أسعد الشيباني، عقب اللقاء، طالب الوزير الأوكراني بإخراج القوات الروسية من سوريا، وذلك بعد يوم واحد فقط من تأكيد الشرع أن تلك القوات باقية في الوقت الحالي، وأن دمشق تريد علاقة متينة مع ثاني أكبر قوة في العالم، على حد تعبيره. وأشار سيبيغا، الذي يعدّ أول مسؤول أوكراني يزور سوريا منذ قطع العلاقات بين البلدين في عام 2022، إلى إرسال بلاده شحنة من القمح إلى سوريا، بعدما توقفت روسيا عن إرساله. وقال إن «روسيا شريك لنظام الأسد في ارتكاب الفظائع»، مضيفاً أن بلاده تريد «تقديم يد العون لسوريا في ما يخصّ جمع الأدلة والتحقيق في جرائم النظام السابق وروسيا». غير أن الشيباني تجاهل دعوات نظيره الأوكراني إلى إخراج القوات الروسية، وركّز في تصريحاته على استعداد «الإدارة الجديدة» لبناء علاقة متينة مع أوكرانيا، على جميع الأصعدة، السياسية والاقتصادية، وفق تعبيره.
وعلى خط مواز، وصل وزير الخارجية الكويتي، عبد الله علي اليحيا، رئيس الدورة الحالية للمجلس الوزاري لـ«مجلس التعاون لدول الخليج العربي»، برفقة الأمين العام لـ«المجلس»، جاسم محمد البديوي، إلى العاصمة السورية، لإجراء لقاءات مع القيادة الجديدة. وقال اليحيا إن هدف زيارته هو «نقل رسالة موحدة بوقوف دول المجلس إلى جانب سوريا»، وهو ما كانت قد أشارت إليه الوزارة الكويتية في بيان حول الزيارة، قال إنها تأتي في إطار التوصيات الصادرة عن المجلس الوزاري لـ«مجلس التعاون لدول الخليج العربي»، مضيفاً أن هذه الخطوة «تجسّد التزام دول المجلس بالمبادئ الأساسية التي تضمن سيادة سوريا واستقلالها ووحدة أراضيها، وتحمل رسالة مساندة لإرادة الشعب السوري الشقيق».
وتأتي الزيارة الكويتية إلى دمشق في وقت أعلن فيه الشيباني تلقّيه دعوة لزيارة المملكة السعودية، في أول زيارة رسمية له منذ توليه منصبه. وقال وزير الخارجية في الحكومة السورية المؤقتة في تغريدة على موقع «إكس»: «تلقّيت دعوة رسمية من معالي وزير الخارجية في المملكة العربية السعودية، السيد فيصل بن فرحان آل سعود، لزيارة المملكة». وتابع: «قبلت هذه الدعوة بكل حبّ وسرور، وأتشرّف بتمثيل بلدي في أول زيارة رسمية، ونتطلّع إلى بناء علاقات استراتيجية مع الأشقّاء في المملكة في المجالات كافةً». والجدير ذكره، هنا، أن وفداً أمنياً وديبلوماسياً سعودياً كان قد زار دمشق، الأسبوع الماضي، في زيارة جاءت بعيدة عن وسائل الإعلام، وناقش فيها الطرفان، بحسب ما تسرّب، الأوضاع الجديدة في سوريا، وسبل التعاون، كما تضمّنت عملية استشكاف سعودية للإدارة السورية الجديدة.
وتبعت ذلك بوادر انفتاح متتالية، عبر الإعلان عن بدء تجهيز حملة مساعدات من المملكة إلى سوريا، وإجراء الشرع لقاء مع قناة «العربية» السعودية، تغزّل خلاله بالمملكة، ما قد يمهد الطريق لبناء علاقة يأمل الشرع أن تكون متينة، وتنهي حالة الانقسام الحالية بين معسكرين (قطري – تركي، وإماراتي - سعودي - مصري) إزاء الأوضاع في سوريا.
على الصعيد الداخلي، وفي خطوة يبدو أنها تهدف إلى امتصاص حالة الغضب في الشارع السوري حول تجاهل دور المرأة، والتصريحات الأخيرة لمسؤولة مكتب المرأة في الحكومة المؤقتة»، عائشة الدبس، التي اعتبرت أن للمرأة دوراً فطرياً داخل العائلة، ما يمهد لمزيد من إقصائها، أعلنت الإدارة السورية الجديدة تعيين ميساء صابرين في منصب حاكم مصرف سوريا المركزي. وبذلك، تكون صابرين أول امرأة تتسلم منصباً إدارياً فعلياً في الحكومة، وأول امرأة تتسلم هذا المنصب في سوريا. وبالإضافة إلى العنصر النسائي، تمثل صابرين، الحاصلة على شهادة الماجستير في المحاسبة من جامعة دمشق، أول مسؤول سوري يأتي من خارج «هيئة تحرير الشام» أو المقربين منها، إذ كانت قد شغلت منصب النائبة الأولى لحاكم مصرف سوريا المركزي السابق، محمد عصام هزيمة، كما كانت عضواً في مجلس إدارة سوق دمشق للأوراق المالية، ممثلة عن مصرف سوريا المركزي، منذ كانون الأول 2018.