يسير قائد إدارة العمليات العسكرية، التي تتولى إدارة سوريا حالياً، أحمد الشرع، في حقل ألغام زُرع وترعرع على مدار سنوات الحرب الـ14 الماضية، إذ بعدما قطع الرجل وعداً بحلّ الفصائل ودمجها في إطار وزارة دفاع جديدة، قام بوضع هيكلية أولية لها عبر تعيين المقرّبين منه، والذين قام بمنحهم رتباً عسكرية على عجالة، سواء مرهف أبو قصرة الذي أمسك بمنصب الوزير، أو علي نور الدين النعسان الذي تولّى إدارة الأركان، أو بقية الضباط الذين يضمّون، إلى جانب السوريين، أشخاصاً من تركيا والشيشان وتركستان ومصر، في محاولة لتعويم «هيئة تحرير الشام» التي قادها على مدار ثمانية أعوام في إدلب.
ومنذ سقوط نظام بشار الأسد، ووصول الفصائل إلى دمشق، ظهرت بشكل واضح ملامح شقاق بين الفصيل الذي دخل دمشق أولاً (اللواء الثامن، وائتلاف الفصائل المعارضة في الجنوب السوري بقيادة أحمد العودة)، والرجل الذي صعد إلى سدة المشهد السياسي والعسكري في سوريا، أي الشرع. ويأتي ذلك سواء بسبب القوة التي يمتلكها كل من الرجلين، أو بفعل المرجعية المختلفة ونسيج العلاقات المتفاوت بينهما، بالإضافة إلى التاريخ الدموي الذي جمعهما في الجنوب السوري، إذ بينما يرتبط العودة بعلاقات وطيدة مع روسيا والإمارات، فضّل، بناءً عليها، البقاء في درعا خلال اتفاقية تسليم المناطق للنظام السوري السابق وخروج من يرغب من المسلحين نحو إدلب، ينحدر الشرع من خلفية متشددة، ويقود فصيلاً «جهادياً» يقاتل في صفوفه مسلحون من مختلف الجنسيات، ويرتبط بعلاقات وثيقة مع تركيا التي يقودها حزب «العدالة والتنمية» المرتبط بجماعة «الإخوان المسلمين» المحظورة في الإمارات.
على أن مشهد سقوط النظام وفرار الأسد كان طاغياً في البداية، مع وعود برّاقة ببناء جيش قوي بعد حل جميع الفصائل، بما فيها «ائتلاف فصائل الجنوب»، وفصائل الشمال السوري، والتي دخلت في معارك عديدة طيلة السنوات الماضية مع «الهيئة» التي سعت للقبض على كامل الشمال، بالإضافة إلى الفصائل الدرزية في السويداء، و»قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) المدعومة من الولايات المتحدة، والتي تخوض في الوقت الحالي معارك متقطّعة مع فصائل «الجيش الوطني» المدعومة من قِبل تركيا.
وبالفعل، استقبل الشرع، في الخامس والعشرين من كانون الأول الماضي، في القصر الرئاسي، عدداً من قادة فصائل الشمال السوري، والذين حضروا لعقد اجتماع حول آلية حل الفصائل. لكنّ الاجتماع، الذي غاب عنه عدد منهم، أبرزهم قائد فرقة «العمشات»، محمد الجاسم أبو عمشة، وقائد فرقة «السلطان مراد»، فهيم عيسى، بالإضافة إلى فصائل السويداء، وأحمد العودة من درعا، وفصيل آخر يتبع لواشنطن في منطقة التنف (جيش سوريا الحرة)، لم يخرج بأي اتفاق فعلي، علماً أن الشرع كان قد حاول قبل عقده، تقوية جسور التقارب مع فصائل الشمال، عبر تكليف بعض قادتهم بتولّي مناصب بعيدة عن العاصمة، ومن بينهم قائد «الجبهة الشامية» عزام الغريب (أبو العز سراقب) الذي تمّ تكليفه بمنصب محافظ حلب.
وفي محاولة للمضي قدماً في دمج الفصائل، عقدت «الإدارة السورية» الجديدة اجتماعين متزامنين مع ممثلين عن «قسد» و قائد «جيش سوريا الحرة»، ضمن مبادرة أميركية – فرنسية لمحاولة تقريب وجهات النظر، حسبما أكّدت مصادر تحدثت إلى «الأخبار». وأشار قائد «قسد»، مظلوم عبدي، في تصريحات أطلقها بعد عودة الوفد من دمشق، إلى أن الاجتماع كان «إيجابياً، وتمت مناقشة جميع القضايا»، موضحاً أنه في حال تشكيل جيش جديد لسوريا فإن قواته ستكون جزءاً من هذا الجيش. وفي الوقت نفسه، أكّد عبدي أنه لم يتلقَّ أي دعوة للمشاركة في مؤتمر الحوار الذي أعلن عنه الشرع قبل فترة، في إشارة إلى محاولة إقصاء الدور الكردي من المشهد السياسي السوري، علماً أن المؤتمر المشار إليه تمّ تأجيله إلى أجل غير مسمى. واعتبر عبدي أن تركيا يمكنها لعب «دور إيجابي» في هذا السياق، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة عزّزت حضورها في سوريا بعد سقوط النظام للتصدّي لتنظيم «داعش»، على حد تعبيره.
كذلك، عقد قائد «جيش سوريا الحرة»، سالم التركي، اجتماعاً مع وزير الدفاع في الحكومة المؤقتة، مرهف أبو قصرة، فيما ذكرت مصادر إعلامية أن النقاش بينهما دار حول آلية دمج هذا الفصيل ضمن هيكل تنظيمي يتبع لوزارة الدفاع، من دون أن تتسرب أي أنباء تفصيلية حول ما تم التوصل إليه. وكانت فصائل درعا والسويداء رفضت تسليم السلاح والاندماج في هيكلية وزارة الدفاع، قبل الانتهاء من تشكيل حكومة توافقية وبناء هيكلية واضحة للوزارة، وهو ما جعل الحديث عن هذه النقطة الإشكالية أكثر تعقيداً. ويأتي هذا وسط تنامي عمليات القتل، والشعور المفرط بالسيطرة والانتصار من قبل مقاتلي «هيئة تحرير الشام»، ومحاولة الشرع نفسه هيكلة الحكم في سوريا، على نحو يتفرّد من خلاله بالسلطة، في مقابل شروع قوات دولية وإقليمية تملك نفوذاً على الأرض، في تلمّس مكاسبها في خضمّ حالة الفوضى تلك.