فؤاد بزي (جريدة الأخبار)
فيما يقف المضمون حائراً على أبواب المستشفيات التي تفرض عليه أن يدفع مبالغ هائلة من جيبه للحصول على الخدمات الطبية، ينشغل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في نقاش عقيم عن توظيف 57 ألف مليار ليرة، أي نحو 637 مليون دولار، من أموال فرعَي نهاية الخدمة والمرض والأمومة.
في مطلع الأسبوع الماضي تبلّغ الضمان بمصادقة وزير العمل محمد حيدر على موازنة 2025 التي تخصّص مبالغ للتوظيف في المصارف.
وقد سبق أن خاض الصندوق هذا النقاش قبل أسابيع بين من يريد توظيف الأموال في المصارف أو في سندات الخزينة لتحصيل فوائد عليها، وبين رأي آخر يشير إلى ضرورة زيادة التقديمات، لا سيما أن جزءاً من سيولة الصندوق متأتية من ضمان المرض والأمومة الذي كان يسجّل عجوزات ضخمة في السنوات الماضية وأصبح اليوم مع حالة التقشّف و«ضبضبة» التقديمات، يسجّل فوائض.
أصحاب هذا الرأي، أي أعضاء مجلس الإدارة الداعين إلى رفع التغطية الصحية، يرون أنه لا يجوز إعادة توزيع أموال الاشتراكات على الفروع بينما يعاني المضمون من هزالة تقديمات الصندوق.
فالصندوق ما زال قاصراً عن إعادة التغطية إلى النسبة التي كانت عليها قبل الانهيار، أي 90% من قيمة الفواتير الاستشفائية و85% من قيمة الفواتير الطبية، بشكل فعلي وليس في البيانات الإعلامية. ثمة الكثير من المضمونين الذي أبلغوا «الأخبار» أنهم لا يقدّمون فواتير الأدوية إلى الضمان بسبب هزالة التقديمات، إذ يسترد المضمون أقلّ من 15% من سعر الدواء. فالصندوق يحتسب السعر المدولر للأدوية العادية على أساس 15 ألف ليرة لكل دولار. والتغطية الاستشفائية في المستشفيات ليست أفضل حالاً.
أحد المضمونين دفع مبلغ 700 دولار من جيبه نقداً، بعد مكوثه 18 ساعة في المستشفى وإجراء فحوصات عادية. وبلغ فارق فاتورة إجراء عملية استئصال سرطان من الغدد اللمفاوية 2800 دولار.
وسيدفع مضمون آخر مبلغ 4500 دولار بدل إجراء 8 جلسات علاج كيميائي. وبدلاً من التفكير في كيفية زيادة التقديمات، انقسم الضمان بإدارته ومجلس إدارته إلى رأيين؛ تبنّى الأول فكرة توظيف الأموال كيفما كان، سواء في المصارف التجارية أو في المصرف المركزي. ويهدف أصحاب هذا الرأي ومنهم الإدارة إلى تحصيل فوائد على الأموال بمعزل عن حجم التقديمات.
وتبنّى الرأي الثاني الممثل بسبعة أعضاء من مجلس الإدارة، فكرة إيداع الأموال في المركزي في حسابات جارية، لا فوائد عليها، خوفاً من «الاضطراب المالي المستمرّ في لبنان نتيجة للأزمة الاقتصادية».
وفي جلسة مجلس الإدارة الأخيرة، وُضع على الطاولة عدد من الآراء لم يتضمن أيّ منها فكرة زيادة التقديمات الخاصة بفرع المرض والأمومة.
ودار النقاش حول كيفية توظيف الأموال، إما عبر الاكتتاب في سندات الخزينة أو شراء سندات من المصارف التجارية. وبحسب مصادر «الأخبار»، اقترح رئيس المحاسبة في الصندوق شراء سندات طويلة الأمد من المصارف التجارية، يستحق دفعها بعد 170 شهراً، أي بعد 14 سنة، على أن يحصل الضمان على حسم قدره 10% على أسعار السندات. وإثر هذا الطرح، رفض عدد من أعضاء مجلس الإدارة دفع الضمان ثمن «سندات لا قيمة لها بسبب الانهيار الاقتصادي»، فسقط الطرح.
رعم ذلك، عاد النقاش إلى نقطة شراء سندات خزينة من المصارف التجارية بفائدة تصل إلى 20%. بعض أعضاء اللجنة المالية اعتبروا أن هذه العملية بمنزلة «شراء عام»، أي إنها تخضع لقانون الشراء العام.
وفي سعيها المستميت إلى توفير تغطية لعملية التوظيف، أرسلت إدارة الضمان إلى الهيئة تفاصيل عملية الشراء التي تنوي القيام بها الأسبوع الماضي في رسالة حملت الرقم 13. ولكن لم تلتفت الإدارة إلى أنّ أحكام قانون الشراء العام لا تنطبق على عملية شراء السندات، إذ حدّدت المادة الثالثة منه أنّ «أحكام هذا القانون تسري على جميع عمليات الشراء العام من لوازم وأشغال وخدمات»، أي إن قانون الشراء العام لا ينطبق على توظيف الأموال في الأوراق المالية.
وبحسب رئيس اللجنة المالية في الضمان بطرس سعادة، فإن المطروح «شراء سندات خزينة من المصارف التجارية بضمانة المصرف المركزي»، وبالتالي «لن نشتري سندات من دون معرفة وضعها».
ويقول: «التوظيف ليس آمناً الآن»، والمطروح «أحلاه مر»، فإما «أن توضع أموال الضمان في المركزي من دون فوائد، ما يعني خسارة مبالغ كان يمكن تحصيلها على شكل فوائد للضمان»، أو نتحمل «احتمال وقوع الخسارة في حال القبول بالتوظيف في المصارف التجارية لأنّ مخاطرها عالية».
ويذكر أنّ التوظيفات في الضمان الاجتماعي تخضع لقرارات اللجنة المالية. وفي آخر اجتماع قانوني للجنة عام 2012، أقرّت بأنّ التوظيفات ستقسم بنسبة 80% على شكل سندات خزينة في المركزي، و20% في المصارف التجارية. وبسبب الأزمة الاقتصادية، لا يصدر المركزي سندات خزينة جديدة، ما جعل من أموال الضمان المخصصة للتوظيفات موجودة على شكل ودائع في المركزي، لا يترتب عليها أي فوائد.