زكية الديراني/ جريدة الأخبار
فتح السعوديون ملفّ فضل شاكر مجددًا، بعدما خمدت نيرانه في الإعلام لمدة طويلة، إلى درجة أنّ حكايا المغني «التائب» لم تعد تلفت الوسط الفني، بل إنّ جمهوره يكتفي فقط بسماع أرشيفه الغنائي. تأتي هذه المبادرة السعودية في محاولة للفصل بين «صاحب الإحساس» الذي حظي فنّه وصوته بشعبية كبيرة، وبين صورة «الإرهابي» التي التصقت في أذهان الناس منذ معارك عبرا (جنوب لبنان) الشهيرة.
لقد بدأ تطبيق «شاهد» المنضوي تحت شبكة mbc أخيرًا عرض مسلسل «يا غايب» (إنتاج شركة 2Pure لصاحبها اللبناني رودولف جبر/ إخراج فاطمة رشا شحادة) الذي يتألف من تسع حلقات، عُرض خمس منها حتى اليوم، ويجمع باقة من الممثلين اللبنانيين والعرب من بينهم ستيفاني عطالله وطلال الجردي والأردني عماد المحتسب.
سمّيت كل حلقة من المسلسل، على اسم أغنية لشاكر، امتدادًا لتسمية المسلسل نفسه باسم «يا غايب» التي تعد أشهر أغنيات شاكر.
صوّر «يا غايب» في تركيا، تخوّفًا من عرقلة السلطات اللبنانية له بسبب الدعاوى القضائية التي يواجهها شاكر، وقُدّم المشروع بأسلوب يجمع بين الدراما والسرد الواقعي، ليسير في خطين دراميين متوازيين: الأول تمثيلي عبر الصحافية مايا (ستيفاني عطالله) التي تبحث عن براءة شاكر من أحداث عبرا (2013) التي أدّت إلى استشهاد عدد من عناصر الجيش اللبناني. أما الخط الثاني، فهو «فلاش باك» يعود إلى طفولة شاكر ومراهقته. ثم يطلّ المغني شخصيًا من مخيم عين الحلوة (صيدا ـ جنوب لبنان) ببدلة أنيقة وعيون دامعة، ليعلّق على كل حدث في حياته.
طفولة معذّبة
يتوقف المسلسل مطوّلًا عند طفولة شاكر المعذبة في الميتم (رغم أنه ليس يتيمًا). ثم يعرّج على مراهقته المريرة التي تنقّل فيها بين عدد من المهن. ولا ينسى أن يكشف لنا عن فضل الرومانسي الذي حارب العالم من أجل زواجه من حبيبته ناديا، قبل أن يعزز موهبته بالغناء ويحترف الفنّ في الأعراس ولاحقًا في المهرجانات.
إذًا في العناوين العريضة، لا يحمل «يا غايب» أي تفاصيل جديدة حول حياة شاكر، بل يلعب على وتر الأحاسيس واستدرار التعاطف تجاه الفنان التائب، أكان عبر أغانيه الرومانسية أو تصويره بصفته مظلومًا ومسكينًا. يصنَّف العمل ضمن المشاريع الترويجية لعودة شاكر، كأنّنا به بمنزلة رسالة إلى القضاء اللبناني، ردًا على التهم الصادرة بحق فضل عبد الرحمن شمندر شاكر (اسمه الحقيقي).
نهاية بائسة
يطلّ شاكر في «يا غايب» بصورة الإنسان المظلوم، قائلًا إنّ محاربة الناس له في الوسط الفني وحتى السياسي، كانت سببًا في نهايته التعيسة هاربًا في مخيم عين الحلوة. ثم يطرح شاكر سؤالًا على جمهوره: «إلى متى سأبقى في المخيم»؟ سؤال بدا أشبه بدعوة إلى فتح صفحة جديدة وتنظيف سجله العدلي.
هكذا، يحاول «يا غايب» محو صورة «الإرهابي» التي التصقت بذاكرة الجمهور اللبناني والعربي عبر الفيديو الشهير الذي أطلّ فيه قبيل معركة عبرا، قائلًا «فطيستين روّحنالكن...» على حد تعبيره آنذاك. يتولّى المسلسل محو تلك الصورة في أذهان الجمهور، تمهيدًا ربّما لتنظيف سجّله العدلي. وقد فتح شاكر قلبه لمشروع درامي لقاء مبلغ مالي مقبول، وتمّت حياكة المشاهد بناء على شروطه. ولم يُعرف عما إذا كانت المعلومات في مسلسل «يا غايب» قد تحرّك قضيته مجددًا في المحاكم، أو يغفل القضاء عنها.
بشار الأسد حاضر
أعادنا مسلسل «يا غايب» إلى بداية تصريحات شاكر السياسية، مستعيدًا خطابه الشهير خلال إحيائه حفلة ضمن مهرجان «موازين» المغربي عام 2012. يومها توجّه إلى الرئيس السوري السابق بشار الأسد قائلًا له «الله يدمّر بشار الأسد... الله ياخد بشار الأسد». ثم خرج المغني في الوثائقي، مبررًا: «كنت أعيش صراعًا داخليًا بسبب الظروف السياسية التي مرّت بها الدول العربية إبان «الثورة السورية».
خلال مهرجان «موازين» عام 2012، «فار» دمي. كانت الشتائم بسبب المشاهد التي تابعتها على الشاشات من عنف وظلم بحق الشعب السوري». هذا التصريح دفع نجوم سوريا الموالين لنظام الرئيس السوري الحالي أحمد الشرع إلى توجيه تحية إلى صاحب أغنية «بياع القلوب»، على رأسهم نقيب الفنانين السوريين مازن الناطور الذي شكر المغني بسبب وقوفه إلى جانب الشعب السوري.
لكن في مقابل مدحه لنفسه ومواقفه الإنسانية مع السوريين، تجاهل أهالي الشهداء في الجيش اللبناني الذين سقطوا في معركة عبرا. ركز على تبرير نفسه فقط، قائلًا «على مدار 11 عامًا، أُحارَب من الأوساط الإعلامية والسياسية وحتى المقرّبين مني. تصريحاتي آنذاك لم تكن نابعة من موقف سياسي بل إنساني فقط. لكنّني فُهمت خطأ. لا أندم على مواقفي. أنا في حياتي لم أقتل أحدًا، ولم أحمل السلاح إلا دفاعًا عن نفسي بسبب غياب القضاء والسلطة في لبنان». في المقابل، لم ينسَ «يا غايب» أن يركّز على الجانب الديني للمغني الذي أدى مناسك الحج. حتى أنه في بداياته الفنية، طلب أمنية من ربه «بأن يحبّب عبده به».
في هذا السياق، تلفت المعلومات لنا إلى أنّ مسلسل «يا غايب» لن يقدم أو يؤخر في مجريات قضية شاكر والحكم الغيابي بالسجن الذي صدر بحقّه عام 2018. وتلفت المصادر إلى أنّ تلك الأحكام لم تسقط عن شاكر بعد، بل تسقط فقط بمرور الزمن (أكثر من 15 عامًا) أو عبر عفو عام أو عبر تسليم نفسه للقضاء. تشير المعلومات إلى أنّ شاكر ربما يسعى حاليًا عبر «يا غايب» إلى الحصول على عفو خاص بوساطة بين رئيس الجمهورية جوزيف عون وقطر.