«الدار وكتب الدار وأنا رح نكون ناطرينكم بمعرض دمشق الدولي للكتاب»؛ جملة قال مروان نجل الكاتب السوري الراحل ممدوح عدوان إنه حلم دومًا بقولها.
بعد سنوات من العمل، صار الأمر ممكنًا بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد. لـ «ظروف عدة»، اضطرت الدار التي افتتحت في سوريا في العام 2009 إلى نقل عملها إلى الإمارات العربية المتحدة. وبالفعل، خلال أيام كان مروان ممثلًا عن الدار في جلسات ناقشت المشهد السياسي والثقافي لسوريا بعد حكم الأسد في ورشات لم تعتد عليها البلاد، لكن «يا فرحة ما تمت»! إذ أصدرت وزارة الإعلام تعميمًا جاء فيه أنّ «جميع الكتب المنشورة بحاجة إلى الحصول على موافقة من مديرية التقويم الإعلامي – دائرة المطبوعات والنشر» قبل السماح بشحنها خارج سوريا أو التداول داخلها.
قرار كارثي.. وبيان للتسويغ
هذا؛ وفيما رأى بعضهم أنّ القرار لا يعدو عن كونه تنظيميًا، إلا أن ناشطين سوريين علّقوا عليه عبر حساباتهم في منصات التواصل الاجتماعي بوصفه «قرارًا كارثيًا» وشكلًا جديدًا لتقييد حرية التعبير التي كان يفرضها النظام السابق. وتابعوا أنّ عمليات إنتاج ونشر الكتب وتوزيعها يجب أن تكون معفية من إجراءات القبول والرفض، خصوصًا أنّ أهم شعارات ثورة الشعب السوري كان الحرية، وهذه الحرية يجب أن تشمل كل شيء، خصوصًا الإنتاج الأدبي.
وصف مروان عدوان عبر حسابه على فايسبوك القرار بالقول «قفزة هائلة إلى الوراء»، مشيرًا إلى أنّه «في الوقت الذي تتجه فيه معظم الدول العربية نحو تخفيف إجراءات الرقابة، فإنّ أحد أول قرارات وزارة الإعلام الجديدة هو فرض رقابة مسبقة على الكتب، سواء للتداول داخل سوريا أو خارجها». وطالب «اتحاد الناشرين السوريين ألا يكون ذراعًا تنفيذيةً لهذا القرار بل أن يقف في وجهه»، بل أن يوجّه كتاب رفض للقرار إلى وزارة الإعلام. وأضاف: «دعم صناعة النشر في سوريا لا يكون بتضييق الخناق على الكتّاب والناشرين، بل برفع القيود عن الكتب، وعدم التدخّل في المحتوى، والمطالبة بإلغاء وزارة الإعلام نفسها، واستبدالها بهيئة ناظمة للعمل الإعلامي».
وفي وقت لاحق، أصدرت وزارة الإعلام بيانًا توضيحيًا بشأن «الرقابة وتقييم المطبوعات» أشارت فيه إلى أن القرار يستهدف تنظيم فترة تصريف الأعمال التي تلت سقوط النظام، وأحدثت فجوة قانونية بين الوزارة ودور النشر. وتابعت أنّ الموافقة المطلوبة ليست رقابة وإنما إجراء قانوني مستمر العمل فيه ولم يتم تعديله، وفيما اعتبر بعضهم البيان خطوة إيجابية، طالب آخرون الوزارة بـ «إلغاء» شرط الموافقة المسبقة على تصدير واستيراد الكتب، وليس تقديم تسهيلات، فالمشكلة هي استمرار وجود «رقابة» بما لا يحقق «حرية النشر والتعبير».
حرّية مغشوشة
يُعيد القرار «معنويًا» إغلاق الباب الذي ظن عشرات الكتاب السوريين ممن كانت كتبهم ممنوعة خلال حكم النظام السوري السابق، من بينهم مجموعة من الكتاب الشباب الذين تمكنوا من الحصول على جوائز قيمة وكُرِّموا في دول عربية، لكنهم لم يتمكنوا من الاستمتاع برؤية كتبهم معروضة داخل واجهات مكاتب سورية.
نذكر مثلًا الكاتبة الحموية براءة الطرن، التي كتبت أنه يمكن الحصول على كتابها «أربعة عشر وجهًا حزينًا» في «أي مكان عدا سوريا». كتاب تقدم فيه «جرعة مكثفة من وعي جيلها الذي كبر في الحرب، وبدأ بإدراك وتلمّس العالم تحت وقع صواريخها وآلامها».
كما تتطرق حكايا الكتاب إلى «مجزرة حماه» العام 1982 وربما كان هذا أحد أسباب منعه. كذلك حال الروائي من الساحل سومر شحادة، الذي كانت روايته «الآن بدأت حياتي» التي حصلت على «جائزة نجيب محفوظ للرواية العربية» العام 2021 ضمن قوائم الكتب غير المسموح تداولها داخل سوريا. وصار الاعتماد على جهد شخصي من الأصدقاء بإدخال نسخ من الرواية عبر الحدود على نفقتهم ومسؤوليتهم الشخصية. ويسهّل الأمر أنّ النسخ القليلة من أي كتاب لا تثير أي مشكلة، فالسلطات السورية السابقة كانت تصدر قرارات «منع سفر أو دخول» على المواطنين لا الكتب.
· سقى الله زمن (مكتبة) قرطبة!
«لدينا اثنتا عشرة كنيسة ومكتبة واحدة، بها كتب محظورة أكثر من الكتب التي يمكن قراءتها». بهذه العبارة يلخص بطل فيلم beautiful creature حال البلدة التي يعيش فيها. وربما تنطبق في حال استبدال «الكنائس» كلفظ متخصص له علاقة بهوية البلد الذي جرت فيه أحداث الفيلم، بكلمة «جوامع أو دور عبادة» لنكتشف أن سوريا القديمة أو الجديدة «لديها عدد هائل من دور العبادة ومكاتب قليلة مهددة بالانقراض، بها كتب محظورة من مديريات تقييم ورقابة أكثر من الكتب التي يمكن قراءتها».