محمد وهبة (جريدة الأخبار)
يُتوقّع أن تعقد لجنة المال والموازنة جلسة في الأسبوع المقبل لمناقشة وإقرار الصيغة النهائية المُتفق عليها في اللجنة الفرعية لمشروع قانون «معالجة أوضاع المصارف»، وإحالتها إلى الهيئة العامة لمجلس النواب، حيث سيُدرج المشروع على جدول أعمال أول جلسة مقبلة لإقراره سريعاً.
وذلك ربطاً بتعهّدات مسؤولين لبنانيين بإقراره قبل نهاية الشهر الجاري إثباتاً لـ«حسن نيّة» لبنان ورغبته في تنفيذ «الإصلاحات» التي طلبتها الإدارة الأميركية وممثلو صندوق النقد الدولي.
ورغم أن الصيغة المُعدّلة اتّسمت بالجديّة، إلا أنّ بعضها نتج من تسويات لم تتجاوز العطب الأساسي في المشروع، والكامن في كونه لا يحدّد الخسائر ولا يوزّعها، بل تُركت هذه المهمة على عاتق القانون التالي المُنتظر، والمُسّمى من قبل اللجنة باسم «الانتظام المالي وسداد الودائع».
وفي سياق ذلك، تقول المادة الأولى: «تحدّد المواد من 1 إلى 36، الأحكام التي ترتكز عليها عملية إصلاح وضع المصرف وعملية التصفية تُعتبر نافذة عند صدور قانون الانتظام المالي وسداد الودائع».
يثير هذا الأمر سؤالاً أساسياً: ما هو الهدف من إقرار القانون، باستثناء تلبية الإملاءات الخارجية؟ لا إجابة واضحة لدى أي مسؤول حكومي أو برلماني، بل تُردّد المسألة بوضوح كامل: مطلوب إقراره قبل نهاية الشهر، ونحن نعلم أنه لا يمكن تطبيق كل موادّه إلا بعد صدور قانون يحدّد الخسائر ويوزّعها، وندرك أن الخسائر مسألة شعبوية.
فالواقع، أن تحديد الخسائر يتيح لمصرف لبنان اتخاذ قرارات بشأن خسائره تجاه المصارف، وخسائر المصارف تجاه المودعين، وبالتالي يحدّد الرساميل المطلوبة من الدولة لمصرف لبنان، وتلك المطلوبة من مساهمي المصارف، ويرسم المدى الزمني لضخّها وتغطية متطلّبات الملاءة والسيولة وفق المعايير الدولية، ويفسح المجال أمام جدولة تسديد الودائع أو ما يتبقّى منها بعد شطب الخسائر، وأي أدوات ستُستعمل من أجل شطب أو تغطية أو سداد ما يتبقّى من ودائع كبار المودعين... كل هذا النقاش كان هامشياً في الحكومة ومجلس النواب.
فالكل حصر الأمر بإقرار القانون سريعاً لأنه «مطلوب»، ولو أن بعض الوزراء والنواب ليسوا مقتنعين بأن إقرار هذا القانون له أي نوع من الأهمية بعد فصله عن «الانتظام المالي وسداد الودائع».
فُتحت النقاشات في هذا السياق. بدأ ذلك مع تلك الدراسة التي قدّمها حاكم مصرف لبنان كريم سعيد بعنوان «استقلالية مصرف لبنان وضرورة الحفاظ على تجانس التشريع المصرفي».
قدّمت الدراسة، بقالب دستوري قانوني، مسألة الحفاظ على حاكم مصرف لبنان في وضع المقرّر ضمن الهيئة المصرفية العليا، واستبعاد أي شريك له في ذلك وأبرزهم رئيس لجنة الرقابة على المصارف.
في حينه كان هناك صراع نفوذ بين رئيس الجمهورية الذي قدّم الدعم للحاكم «الماروني» بوصفه القائد الوحيد لهذا القطاع، ورئيس الحكومة الذي سعى لاقتطاع صلاحية مقرّرة لرئيس لجنة الرقابة في الهيئة المصرفية العليا.
تُرجم هذا الصراع في المادة التي تحدّد تأليف الهيئة المصرفية العليا؛ المشروع الذي أقرّته الحكومة كان يميل أكثر إلى أفكار رئيس الحكومة (ويقال إن وراءه فؤاد السنيورة) وفيه شُكّلت الهيئة من ستة أعضاء: الحاكم، وأحد نوابه، ورئيس لجنة الرقابة على المصارف، بالإضافة إلى ثلاثة خبراء (قانوني يقترحه وزير العدل، مصرفي أو اقتصادي يقترحه وزير المال، ورئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية لضمان الودائع).
أما في اللجنة الفرعية للجنة المال والموازنة، فقد أعيد تشكيل الهيئة وفصلها إلى غرفتين: أولى وثانية، مع صلاحيات أوسع وأهمية استثنائية للثانية.
- الغرفة الأولى، تمارس صلاحيات الهيئة المصرفية العليا الوارد إنشاؤها في قانون 28/1967، وتحلّ محلّ لجنة العقوبات، ويرأسها الحاكم، وفيها النائب الأول للحاكم، مدير المالية العام، وقاضٍ مختص بالشؤون المالية يقترحه وزير المال، بالإضافة إلى رئيس لجنة الرقابة ورئيس المؤسسة الوطنية لضمان الودائع.
وحدّدت صلاحيات لجنة الرقابة باعتبارها جهازاً تابعاً لمصرف لبنان، إذ يترتّب عليها أن تُطلِع الحاكم على أوضاع المصارف إجمالاً وإفرادياً، و«للغرفة» أن تطلب من اللجنة أي معلومات إضافية عن القضايا التي تُعرض عليها.
وتجتمع الغرفة بناءً على دعوة رئيسها أو بطلب اثنين من أعضائها، وتكون الجلسات قانونية بحضور أربعة أعضاء على الأقل، وتُتخذ القرارات بأكثرية ثلاثة أصوات على الأقل، ويكون صوت الرئيس مرجّحاً عند التعادل. عملياً، جرى تحجيم نفوذ لجنة الرقابة، وإبقاء الحاكم كأساس في عملية اتخاذ القرار التي تحتاج إلى ثلاثة أصوات تتوزّع بين موقع الحاكمية وموقع وزارة المال.
- الغرفة الثانية، وهي «المرجع المعنيّ باتخاذ قرارات حول المصارف التي يتوجّب إخضاعها لعمليات إصلاح الوضع أو لعمليات التصفية وفقاً للقوانين المرعية الإجراء وتناط بها صلاحيات ومهام إعادة الهيكلة المحدّدة في متن هذا القانون».
وتتألف الغرفة الثانية من الحاكم رئيساً، واثنين من نوابه يختارهما المجلس المركزي، وقاضٍ مختصّ بالشؤون المالية يُعيّن بناءً على اقتراح وزير المال، وممثّل عن المؤسّسة الوطنية لضمان الودائع لا يكون ممثّلاً للمصارف، ومدير المالية العام بوصفه عضواً في المجلس المركزي، ويحضر رئيس لجنة الرقابة اجتماعات الغرفة من دون حقّ التصويت أو احتسابه في النصاب.
وتجتمع الغرفة بدعوة من رئيسها، أو بطلب من ثلاثة أعضاء، ويُحتسب نصاب الجلسة على أساس أربعة أعضاء، وتُتّخذ القرارات بأكثر أصوات الحاضرين ويكون صوت الرئيس مرجّحاً في حال التعادل. ويضع الحاكم جدول أعمال الاجتماعات وتكون المداولات سرية.
هذا الفصل بين الغرفتين الأولى والثانية، منح لجنة الرقابة مقعداً في الغرفة العقابية، وفسخ أيّ حضور وازن لها في القرارات المتعلقة باستمرار أو تصفية أيّ مصرف.
لكن من جهة لجنة المال والموازنة، منح الهيئة توازناً مرتبطاً بالصراع القائم على الصلاحيات بين مرجعية الحاكم ومرجعية رئيس لجنة الرقابة، كما أنه أبعد القوى السياسية عن التأثير في الهيئة بشكل مباشر من خلال استبعاد الخبيرين المُعيّنين من وزير المال ومن وزير العدل، إذ استُبقي القاضي المتخصّص الذي يُعيّن بمرسوم بناءً على اقتراح وزير المال من لائحة مرشحين «يعدّها مجلس القضاء الأعلى».
وبناءً على هذا الفصل، أنيطت صلاحية إصلاح وضع المصارف أو التصفية بيد الغرفة الثانية، حيث يُتخذ قرار «إصلاح الوضع أو قرار الشطب» بالاستناد إلى «تقرير تقييمي نهائي ترسله لجنة الرقابة على المصارف بناءً على تقرير مقيّم مستقلّ إلى الهيئة المصرفية العليا...».
وفي مسألة التقييم وتعيين المقيّمين المستقلّين، أنيطت الصلاحية بلجنة الرقابة على المصارف لكنها أُخضعت للمعايير الدولية «مع مراعاة المتطلبات والتعليمات الاحترازية الصادرة عن مصرف لبنان».
وأُدخل عضو يمثّل المودعين إلى لجنة التصفية التي ستعيّنها الهيئة المصرفية العليا للمصرف المُتخذ قرارٌ بتصفيته، إلى جانب عضو يمثّل الدائنين وآخر يمثّل المساهمين وخبير في الشؤون المالية أو المصرفية، وخبير قانوني، ورئيس المؤسسة الوطنية لضمان الودائع أو من يمثّله.
وزيدت مادة تشير إلى أنه في حالات التصفية تُطبّق المعايير التدقيقية العالمية المعتمدة مع احترام تراتبية الأموال الخاصة والدائنين وحماية المودعين، وتُطبّق هذه المادة وفقاً للآليات التي يحدّدها قانون الانتظام المالي واسترداد الودائع.
إذا كان صاحب الحسابات المشتركة لا يملك حساباً شخصياً لدى أي مصرف، يتم عندها اعتبار مجموع حصصه في مختلف الحسابات المشتركة كوديعة مودع واحد».
مشروع «لطيف»
يعتقد عدد من المصرفيين الذين اطّلعوا على الصيغتين الحكومية والنيابية من مشروع قانون معالجة المصارف، أن هذا المشروع لا يمسّ بالمصارف بشكل حادّ، بل هو لطيف جداً تجاه المصارف، وهذا الأمر نابع من كونه يفصل بين مسألة تحديد الخسائر وتوزيعها، وبين الآليات التقنية والقانونية التي يتم التعامل بها مع المصارف.
وفي هذه الآليات، ليست هناك إجراءات عقابية رادعة بالمفهوم الواسع على المصارف، فلا يتم الحجز على أي أملاك مثلاً، ولا تترتّب عليها أي مسؤوليات جزائية كما ورد في نسخ سابقة من هذا المشروع. بالعكس، المشروع المطروح يقدم آلية «عادية» تجاه أزمة كبيرة بهذا الحجم.
مودع واحد في المصرف الواحد
من أهم التعديلات التي أدخلتها لجنة المال والموازنة على مشروع قانون معالجة أوضاع المصارف، هو تعديل مفهوم المودع الواحد، إذ ورد في الصيغة التي أعدّتها الحكومة أن المودع هو واحد مهما تعدّدت حساباته في كل المصارف، بينما جاءت الصيغة التي أُعدّت في اللجنة الفرعية للجنة المال والموازنة، لتحصر مفهوم المودع الواحد في كل مصرف واحد، وليس في كل المصارف.
وهذا يعني أن الحدّ الأدنى المضمون الذي كان يقال إنه سيبلغ 100 ألف دولار لكل مودع، سيُحتسب على أساس حسابات المودع المجموعة في كل مصرف على حدة.
وقد جاء التعديل على النحو الآتي: «مفهوم المودع الواحد: يتمثّل بعملية جمع حسابات المودع الدائنة الشخصية، وحصّته من الحسابات المشتركة في المصرف الذي يملك فيه حسابات مصرفية.
وتتوزّع الحسابات المشتركة بين أصحاب الحساب المشترك وفقاً لشروط الاتفاقية الموقّعة بين أصحاب الحساب المشترك وكل مصرف.
وفي حال لم تذكر الاتفاقية الموقّعة أي شرط في ما يتعلق بالحصّة العائدة لأصحاب الحسابات المشتركة، يتم عندها توزيع الحسابات المشتركة بالتساوي.