فؤاد بزي (جريدة الأخبار)
اجتمعت العوامل البيئية والاقتصادية والسياسية والأمنية لتقضي على أمل المزارعين الأخير باسترداد جزء من الأكلاف التي تكبّدوها هذه السنة، لجهة ثمن البذور والأسمدة ومياه الري، وصولاً إلى كلفة اليد العاملة وحراثة الأرض والقطاف.
«كأنّ النكد والنحس راكبان على المزارعين»، يقول رئيس تجمع المزارعين والفلاحين إبراهيم ترشيشي الذي يصف الموسم الحالي بـ«الأسود»، ويعدّد ويلات الموسم الزراعي الذي انطلق مع الحرب في الخريف الماضي، ومرّ بانحباس الأمطار وقلّة المياه، ووصل أخيراً إلى إنتاج قليل.
ورغم ضعف الإنتاج من ناحية الكميات، وقعت الأسواق الزراعية في الكساد، إذ «لا تصريف إلى الخارج»، يقول ترشيشي، معيداً السبب إلى حصار مُطبق على الإنتاج الزراعي، فالطرقات البرّية مقفلة، والطرقات البحرية مرتفعة الثمن بشكل جنوني.
بسبب الحالة الأمنية في البحر الأحمر، ارتفعت أكلاف التأمين البحري، ووصلت معها كلفة شحن المستوعب الواحد من مرفأ بيروت إلى مرفأ جبل علي في الإمارات إلى 5 آلاف دولار، علماً أنّ المستوعب نفسه كان يُشحن السنة الماضية بكلفة لا تتجاوز 1800 دولار، ما يعني أنّ كلفة الشحن البحري تضاعفت نحو 3 مرّات.
«المنتجات الزراعية اللبنانية هي الأرخص في المنطقة»، يؤكّد عدد من تجار الجملة في سوق المدينة الرياضية للخُضر، ويلفتون إلى «غرق السوق المحلية بأكثر من حاجتها من الخُضر والفواكه بمرتين على الأقل».
وفي مقارنة مع السنة الماضية، «كان لبنان يصدّر يومياً 3 آلاف طن من الخُضر والفواكه يومياً بحراً»، وفقاً لترشيشي.
أما عبر الطرقات البريّة، أي مروراً بسوريا، فكانت تخرج يومياً 100 شاحنة متجهة نحو الأسواق العراقية، ومنها إلى دول الخليج. واليوم، الطرقات البريّة مقفلة تماماً أمام المنتجات الزراعية اللبنانية.
وفي ظل صمت رسمي مُطبق، يرتفع صوت المزارعين جرّاء الخسائر التي تقع والمتوقّعة. فأسعار المنتجات الزراعية متهاودة في أسواق الجملة، إذ تُسلّم إلى التجار بأسعار لا تغطي أحياناً التكلفة، فيما تتضاعف عدّة مرّات في أسواق التجزئة.
مثلاً، يبلغ سعر كيلوغرام البطاطا 10 آلاف ليرة، ولا يتجاوز سعر كيلوغرام البندورة 7 آلاف ليرة، يقول رئيس جمعية المزارعين اللبنانيين أنطوان الحويّك. أما اللوبيا، فتصل كلفة زراعة الكيلوغرام الواحد منها إلى 30 ألف ليرة، ويباع بالسعر نفسه في سوق الجملة، بحسب ترشيشي.
ويؤكّد عدد من المزارعين في البقاع والجنوب كلام الحويّك مستخدمين عبارة «عم نكبّ إنتاجنا للتجار في السوق» لتوصيف طريقة تصريف المنتجات الزراعية.
بينما يتقاضى مزارع البندورة ثمن الكيلوغرام 7 آلاف ليرة، ثم يباع في السوق ابتداءً من 45 ألف ليرة، أي يضاعف سعره نحو 6 مرّات. أما البطاطا اللبنانية، فيباع الكيلوغرام الواحد منها بسعر يراوح بين 40 و50 ألف ليرة، أي يضاعف سعره من 4 إلى 5 مرات.
وما يزيد من سوداوية مصير البطاطا اللبنانية، وارتفاع أسهم كسادها، هو المنافسة الكبيرة التي تعاني منها في الأسواق الخارجية بعد تصديرها بحراً من البطاطا السورية والمصرية، فضلاً عن إقفال الطرقات البرية في وجهها من لبنان إلى الأسواق العربية، إذ تحتاج البطاطا اللبنانية إلى نحو 60 يوماً للوصول إلى الأسواق الخليجية، وفقاً لترشيشي، أما البطاطا السورية فتصل براً خلال 7 أيام إلى المقصد نفسه وبكلفة أقل بنسبة 60% من كلفة نقل البطاطا من لبنان.
بالأرقام، ولفهم المشكلة المحيطة بالبطاطا أكثر، يُتوقع أن لا تجد نحو 100 ألف طن من البطاطا اللبنانية أسواقاً لتصريفها هذه السنة.
فلبنان ينتج نحو 350 ألف طن سنوياً كمعدّل عام، ويُتوقع أن ينتج هذه السنة حوالي 300 ألف طن بسبب التكاليف العالية والجفاف.
يُصرّف من الإنتاج حوالي 150 ألف طن في السوق المحلي، و50 ألف طن لمعامل البطاطا في لبنان، ما يعني بقاء 100 ألف طن مُعدّة للتصدير، إنّما الطرقات مقفلة أمامها، وهو ما يعكسه المزارعون بقولهم: «نقلع ونخزّن في البرادات».
وبحسب ترشيشي، لم يصدّر لبنان حتى الآن أكثر من 7 آلاف طن، وضعف التصريف هو ما تؤكّده أرقام الجمارك أيضاً، إذ تشير إلى تصدير نحو ألف و100 طن حتى نهاية شهر أيار الماضي.
من جهة الخسائر المادية على مزارعي البطاطا، يشير ترشيشي إلى أنّ كلفة زراعة كلّ دونم من البطاطا تراوح بين 800 وألف دولار، وبسبب تراجع كميات الأمطار، ينتج كلّ دونم من 2.5 طن إلى 3 أطنان من البطاطا.
وبعد إقفال المعابر البرية أمام التصدير، غرقت السوق المحلية بالبطاطا، وبالتالي يبيع المزارع الطن في سوق الجملة بحوالي 200 دولار، ما يعني خسارة تراوح بين 300 و500 دولار في كلّ دونم مزروع بالبطاطا، وهي الزراعة الأكثر تضرراً الآن نظراً إلى التكلفة العالية التي يتكبّدها المزارع في البداية.
التهريب شغّال
يلفت رئيس تجمّع المزارعين والفلاحين إبراهيم ترشيشي إلى «وجود حركة تهريب نشطة للمنتجات الزراعية من سوريا باتجاه لبنان، فكلّ مُنتج يرتفع سعره في السوق اللبناني، يُفتتح خط تهريب خاص به».
على سبيل المثال، يُهرّب الآن القثّاء (المقتى) من الخُضر، والعنب والمنغا والأناناس من الفواكه الآتية من مصر إلى سوريا، ومن ثمّ إلى لبنان.
وسيؤدّي هذا التهريب إلى كساد إضافي للفواكه اللبنانية العادية كالتفاح والبطيخ. أما ما تبقّى من أصناف مثل البندورة والجزر والحبوب، فلا تُهرّب نظراً إلى انخفاض أسعارها بشكل كبير في لبنان.