اوراق مختارة

التيار الوطني الحر يكسرُ عزلته... ويربح

post-img

رلى إبراهيم (الأخبار)

في الاستحقاق الانتخابي الأول بعد 3 أعوام على الانتخابات النيابية و9 على الانتخابات البلدية الأخيرة، تغيّرت خريطة جبل لبنان وتبدّلت التحالفات لترسم ملامح معارك جديدة، ستتّضح انعكاساتها على القوى والأحزاب في حزيران 2026.

في القراءة الأوّلية لنتائج الاستحقاق البلدي في جبيل وكسروان والمتن الشمالي وبعبدا وعاليه والشوف، خاضت الأحزاب المسيحية حربًا شبه صامتة لاعتبارات مناطقية وعائلية في كثير من القرى، بينما كانت المعركة أوضح في قرى أخرى غلبت فيها السياسة على الطابع العائلي أو تداخل العاملان معًا. ويبدو التيار الوطني الحر الذي استطاع كسر العزلة عليه وأعاد فرض نفسه لاعبًا أساسيًا في الساحة المسيحية المستفيد الأكبر.

ففي جونية، وبعد فشل التوافق بين التيار ورئيس البلدية السابق جوان حبيش والنائب فريد الخازن، استلحق العونيون أنفسهم قبل أسبوعين من الانتخابات بدعم لائحة شبابية، مقابل لائحة اجتمعت فيها 5 قوى رئيسية: حزبا "القوات اللبنانية" والكتائب والنائبان الخازن ونعمت افرام والنائب السابق منصور البون، إضافة إلى مال وخدمات وجو سياسي عام يميل تلقائيًا إلى هذا الائتلاف ضدّ من يُصنّف ضمن محور "الممانعة" وعلى لائحة العقوبات الأميركية. رغم ذلك كله، حصدت اللائحة الشبابية 37% من أصوات الناخبين في المدينة مقابل 63%، أي ثلث أصوات الناخبين للتيار منفردًا مقابل ثلثين للبقية، وفق تقسيم أوّلي يوحي بأن قوة كلّ من الأفرقاء الخمسة قاربت الألف صوت. فقد نال مرشح التيار روي الهوا على اللائحة الشبابية 2986 صوتًا مقابل 5476 صوتًا لرشيد الخازن شقيق النائب الخازن على لائحة الحلف الخماسي و5372 صوتًا لرئيس اللائحة فيصل افرام شقيق النائب نعمت افرام. وبالتالي في الميزان العام، سجّل التيار رقمًا كما كان يطمح، إذ إن فرص الفوز لم تكن متكافئة منذ البداية.

خاض التيار الانتخابات بـ167 عضوًا من أصل 557 في كلّ كسروان، أي بنسبة 30% من مجمل الأعضاء. وتمكّنت بعض اللوائح المدعومة منه أو المُمثّل فيها من الفوز على "القوات" في بلدات رئيسية كعشقوت وفاريا وحراجل والغينة وجديدة غزير، إضافة إلى فوز لائحة المرشّح الملتزم بالتيار آلان عون بالتحالف مع الكتائب والعائلات على لائحة القوات في العقيبة، بلدة نائب "القوات" شوقي الدكاش. في المقابل، حافظت القوات على بلدية عجلتون والبوار، وفازت بالتحالف مع الكتائب والعائلات في بلدة زوق مكايل. وحتّى الساعة لم يتضح ما إذا كانت التحالفات في جونية ستنسحب على التوافق على رئاسة الاتحاد أم أن التيار سيتمكّن من فكّ هذا الائتلاف والتحالف مع بعض القوى فيه كافرام والخازن.

تحالف عون والمر يحسم رئاسة الاتحاد

في المتن الشمالي، تخوض الأحزاب والقوى المعارك البلدية لتصل إلى الجائزة الكبرى المتمثّلة برئاسة اتحاد البلديات. ففي هذا القضاء، يحظى الاتحاد بنفوذ كبير لأن رئيسه يأتي باقتراع 33 بلدية، ولأنه يقبض على كلّ مفاصل البلديات وعلى إستراتيجية الإنماء الكبيرة، وعلى الرخص والرسوم بشكل عام. لذلك كانت المعركة الأساس بين رئيسة بلدية بكفيا نيكول الجميل، شقيقة رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل، ورئيسة بلدية بتغرين ميرنا المر، شقيقة الوزير السابق الياس المر والتي ترأس الاتحاد منذ عام 1998. وباتت رئاسة الاتحاد شبه محسومة مجدّدًا للمر المدعومة من التيار ضدّ حلف القوات - الكتائب.

وفي المرة الأولى التي يتحالف فيها العونيون مع آل المر، تمكّنوا من دخول مجالس بلدية لم يطؤوها سابقًا. ولعل أبرز فوز للتيار كان في بلدة المنصورية، بلدة نائب رئيس التيار غسان الخوري ومنسّق التيار في القضاء إيلي خوري، ضدّ "المرّي" وليم خوري الذي يرأس البلدية منذ 27 عامًا. ورغم تحالف المر والتيار، دعم مندوبو الوزير السابق لائحة خوري إلى جانب القوات والكتائب والنائب إبراهيم كنعان، ضدّ المرشح فؤاد الحاج المدعوم من التيار والعائلات.

التحالف مع المر مكّن التيار من دخول بلدياتٍ للمرة الأولى

وتمكّنت لائحة الحاج من حسم النتيجة 12 - 0. كذلك تمكّن التيار من دخول بلدية الزلقا على حساب الكتائب والقوات، وبلديات جل الديب والضبيه وسن الفيل والدكوانة. كما فاز تحالفه مع بيار الأشقر في برمانا وبلدات كبيرة كعينطورة، إلى جانب المروج ومرجبا وبيت شباب. في ما كان الفوز الأكبر للكتائب في بلدية الجديدة - البوشرية - السد عبر لائحة رأسها أوغست باخوس ودعمها كلّ من القوات وكنعان مقابل فوز التيار بمختارين في الجديدة واثنين آخرين في السدّ.

كما دعم الجميل بشكل رسمي اللائحة الفائزة في ضبيه إلى جانب فوزه ببلديات بحرصاف وحملايا والبلدات الصغيرة المحيطة ببكفيا. أما في أنطلياس والخنشارة، ففازت اللائحتان المدعومتان من نائب القوات ملحم الرياشي. وتبدو القوات الطرف الأضعف في القضاء رغم تصدّر رياشي الانتخابات النيابية، في حين أمّن حلف التيار والمر ربحًا صافيًا للحليفين سيُترجم الأسبوع المقبل في اتحاد البلديات ولاحقًا في الانتخابات النيابية المقبلة.

القوات تنسحب من معركة اتحاد بلديات جبيل

كما جونية، كذلك في مدينة جبيل حيث نُسجت تحالفات شبيهة بين القوات والطاشناق والسنّة لإعداد لائحة يرأسها الكتلوي جوزيف الشامي. هناك أيضًا كان تحدّي التيار بعدم منح فوز مجاني لخصمه، فخاض معركة "تسجيل رقم" في مدينة سياسية بامتياز لا مكان للعائلات فيها. ونال الأول في اللائحة المدعومة من التيار والوزير السابق جان لوي قرداحي وجزء من الشيعة 1757 صوتًا مقابل 2398 لآخر رابح في اللائحة القواتية. لكنّ التيار تمكّن من الفوز بـ 4 مخاتير من أصل 7. وبفعل التحالف بين العونيين والنائب السابق فارس سعيد في العاقورة، فازت اللائحة المدعومة منهما بـ 8 مقاعد مقابل 7 للقوات.

وفي قرطبا، فاز تحالف التيار ورئيس البلدية فادي مارتينوس في وجه لائحة سعيد والعائلات. كما فازت اللوائح المدعومة من التيار في إهمج وترتج (7 - 5). في المقابل، خسر التيار بلدية جاج أمام القوات. وخسر سعيد بلدية ميفوق أمام القوات أيضًا. أما رئاسة الاتحاد التي تضم 13 بلدية، فسيخوضها التيار إلى جانب رئيس الاتحاد مارتينوس الذي يتوقّع أن يفوز مجددًا بها، بعد تراجع القوات عن خوض معركة ضدّه.

بعبدا وعاليه والشوف

لقضاء بعبدا رمزيته في الوجدان العوني، ولا سيما بلدة الحدت، التي لطالما اعتبرها العونيون خزّانهم البشري. في هذه البلدة، خاض التيار معركة حادّة برئاسة رئيس البلدية جورج عون، في وجه القوات والكتائب، وتمكّن من تسجيل ربح كامل (18 - 0)، فظلت البلدة عصية على القوات. أما في بعبدا، فخسرت اللائحة التي رأسها هنري كاراميلو الحلو، المدعومة من معراب، بالكامل، مقابل فوز اللائحة المدعومة من التيار برئاسة ميشال الحلو.

ولتلك البلدة رمزية أيضًا تتعلق بكبرها وبأنها تضم إلى جانب بعبدا، بلدة اللويزة أيضًا. كذلك هزم التيار منسّقة القوات في المتن الأعلى ماري أبي نادر عبر فوز لائحته في بلدة رأس الحرف. كما فازت لائحة منسّق التيار أنطوان أبو جودة على لائحة القوات في بلدة دير الحرف. وفي حارة حريك، فاز تحالف التيار وحزب الله وحركة أمل على تحالف القوات والنائب المستقيل من التيار آلان عون. في حين فاز القواتيون ببلدية بسابا. وبالتالي كانت خسارة القوات بارزة جدًا في القضاء.

ومن بعبدا إلى الكحالة في عاليه، حيث بدا فوز التيار أكبر مقارنة بما حقّقته القوات. فقد رشّح التيار بالتحالف مع العائلات لائحة برئاسة عبود بجاني في الكحالة وفاز بها. كما فازت لائحته في رمحالا ضدّ لائحة القوات، وفاز ببلدية بسوس. في حين خاض التيار واحدة من المعارك الحادّة سياسيًا في وجه القوات في سوق الغرب، التي لها رمزية خاصة لدى جمهور عون، ربطًا بخوضه معارك عسكرية فيها.

وانتهت الانتخابات إلى فوز كامل للائحة التيار برئاسة جورج إلياس نعمان صليبي. وفي شرتون، فاز تحالف التيار والكتائب والعائلات ضدّ لائحة القوات، في حين توزّع التيار في بلدة عين دارة على لائحتين، لكنّ تمثيله الأقوى كان في لائحة ترأّسها مناصفة إلياس سليم حداد، وهو عوني، وجوزيف كريم بدر، وهو من قدامى القوات، وتمثّل فيها التيار بـ 10 أعضاء من أصل 15، مقابل لائحة ضمّت مسؤول مركز المحامين في القوات ألبير يمين الذي خسرت لائحته بالكامل. بالتوازي، حافظت القوات على بلدية رشميا، وهي واحدة من البلديات الكبيرة في عاليه.

كما فازت ببلدية عين الجديدة، أما مدينة عاليه، فنسج فيها الاشتراكي توافقًا ضمّ كلّ الأحزاب، فكانت معركة الأحزاب المسيحية على المخترة. وسقطت كامل لائحة القوات وفازت لائحة التيار بالمخاتير الثلاثة. أما في الشوف، فكانت المعركتان الأبرز للتيار في دير القمر والدامور. اتّخذت الأولى معركة سياسية صرفة بين نائب القوات جورج عدوان في مسقط رأسه بالتحالف مع ناجي البستاني، ولائحة مدعومة من التيار والأحرار، وانتهت بسقوط مدوّ لعدوان - البستاني مصحوبًا بتراجع قواتي في واحد من أقوى معاقله. وكانت النتيجة النهائية فوز 13 عضوًا من لائحة التيار - الأحرار مقابل 5 فقط للقوات.

تشكيك في نتائج الدامور

في أقلّ من ساعتين، انقلبت الأمور رأسًا على عقب في الدّامور. فبعدما تأكّد للمرشح للرئاسة طوني العمّار فوزه بأكثريّة ساحقة على خصمه جان غفري بفارق أكثر من 200 صوت، واحتفال مناصريه فجر الاثنين، تبلّغ العمّار بوجود صندوق يحمل الرقم 3 في مهنية الدّامور الرسميّة، ما قلب المعادلة لمصلحة غفري بفوزه بـ10 مقاعد مقابل خرق بـ8 مقاعد لصالح العمّار، علمًا أنّ النتيجة الرسميّة لم تصدر بعد.

وأحدث هذا الانقلاب إرباكًا لدى ماكينة العمّار التي شكّكت في النتائج، خصوصًا بعدما كانت قد تبلّغت بعدم وجود أي صندوق لم يتم فرزه في المهنيّة، لافتةً إلى أنّ مندوبيها لم يحضروا الفرز في المهنية أو في بيت الدين، مع تبلّغهم بأن فرز الصندوق أُعيد 3 مرات وأثبت فوز غفري.
وتشكّك مصادر العمّار في عملية الفرز، مشيرة إلى أنّه يتّجه إلى تقديم طعن فور صدور النتائج الرسميّة، إذ إنّ ماكينته تشكّك في الصندوق رقم 3 إضافةً إلى صندوق آخر في مقر المجلس البلدي، متحدّثةً عن "حركة مريبة" لأشخاص أمام المهنية قبيل اكتشاف الصندوق.
 

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد