اوراق مختارة

«التربية» والعام الدراسي الرسمي: قرارات بعيدة عن الأرض!

post-img

فاتن الحاج (جريدة الأخبار)

تهبط قرارات وزارة التربية على المعلّمين والمديرين بلا تخطيط مُسبق، وغالباً من دون توفير مقوّمات تطبيقها. فقرار الوزارة الأخير بالتخلّي كلياً عن التعليم «أونلاين» اعتباراً من العام الدراسي المقبل، وفرض العودة الحضورية الكاملة إلى الصفوف، أوقع إدارات المدارس، خصوصاً في المناطق الحدودية، في حيرة وارتباك، ولا سيما في ظل عدم قدرتهم على ترميم مدارسهم أو استئجار مبانٍ بديلة عن تلك التي دمّرها العدوان الإسرائيلي، في ظل اشتراط الوزارة أن تكون هذه الأبنية بعيدة نسبياً عن المناطق الساخنة، كما في اقتراح نقل المدارس إلى صور أو النبطية، مثلاً.

صحيح أن معظم المديرين يقرّون بأن التعليم عن بُعد لم يكن خياراً ناجحاً تربوياً، إلا أنهم يتساءلون: من أين نأتي بالموارد اللازمة للعودة الحضورية؟ في وقت لا تزال فيه أبسط المتطلّبات اللوجستية غائبة، وحتى زيارات المعنيين في الوزارة لتفقّد المدارس المتضررة لم تحصل بعد.

وإذا كان التوجّه إلى زيادة عدد أيام التدريس الأسبوعية من أربعة إلى خمسة خطوة قد تسهم في ردم الفاقد التعليمي، إلا أن طرح هذا الإجراء يتم من دون أي مقاربة جدّية لتحسين أوضاع المعلمين المعيشية، بحسب مصادر المعلمين. فوزارة التربية «تتصرّف وكأن الأمور طبيعية، متجاهلة أن الرواتب فقدت أكثر من 90% من قيمتها الشرائية، في وقتٍ دُولر كل شيء من دون أن تُعدّل الرواتب بما يتناسب مع التضخّم».

ويشير المعلمون إلى أن الأستاذ الرسمي، الذي كان يلجأ سابقاً إلى التعليم في المدارس الخاصة إما بدافع تطوير الذات أو لزيادة دخله اختيارياً، بات اليوم مضطراً إلى القيام بذلك أو إلى البحث عن عمل إضافي خارج مهنة التعليم، لتأمين الحد الأدنى من مقوّمات العيش. ويُبدي كثيرون استغرابهم من الذرائع غير المنطقية التي تُستخدم لتبرير عدم إقرار سلسلة رتب ورواتب عادلة، مؤكدين أن المعلم ليس مسؤولاً عن الهدر والفساد في الدولة، ولا يجوز تحميله تبعات الانهيار المالي.

ويُضاف إلى هذا الواقع، النزيف المستمر في صفوف المعلمين، ولا سيما المتعاقدين، الذين لا يتردّدون في مغادرة المهنة عند أول فرصة للعمل في مؤسسات تعليمية خارج لبنان، هرباً من واقع لا يوفّر الحد الأدنى من العيش الكريم.
وثمة تحدٍّ تربوي ثالث يستوجب مقاربة جدية ومختلفة قبيل انطلاق العام الدراسي الجديد. فلا يمكن استمرار الواقع الذي شهدناه في العام الماضي، حيث اضطرت إدارات العديد من المدارس في أحيان كثيرة إلى طلب تصوير الكتب الدراسية على نفقة الأهالي، أو اللجوء إلى استخدام أوراق عمل بديلة عن الكتب الرسمية.

فرغم أن منظمة «اليونيسف» كانت قد تعهّدت العام الماضي بطباعة أكثر من 2.8 مليون نسخة من الكتب المدرسية لجميع المراحل التعليمية، من الحضانة حتى الصف الثاني عشر، شكت غالبية المدارس من عدم تسلّم النسخ الخاصة بها، ما أثّر سلباً على سير العملية التعليمية.

ويجدر التذكير أن أزمة طباعة الكتاب المدرسي الرسمي استمرت خلال السنوات الثلاث الماضية، خاصة في المدارس الرسمية، وبشكل أقل في المدارس الخاصة، نتيجة عزوف دور النشر عن المشاركة في المناقصات التي يطلقها المركز التربوي للبحوث والإنماء، ما أدّى إلى نقص حادّ في الكتب الدراسية.

إلى ذلك، لم يكن من الضروري أن تتحمّل صناديق المدارس والثانويات، التي تعاني أساساً من الإفلاس، أعباء دفع بدل المثابرة للمتعاقدين للتدريس، ولعمال المكننة، والمستخدمين في أعمال الخدمة والنظافة، في حين كان بدل الإنتاجية سابقاً يُحوّل إليهم من موازنة وزارة التربية عبر شركة تحويل الأموال.

وبذلك، يجري الاستعداد للعام الدراسي بصناديق «مديونة» تعاني من ازدياد في الكلفة التشغيلية للسلع وحاجات المدارس، في وقت تتراكم عليها ديون مستحقّة لمؤسسات الوقود والكهرباء.

أما على صعيد المعلمين، فيتطلع البعض إلى معالجة التفاوت غير المنطقي في نصاب ساعات التدريس بين التعليم الأساسي والثانوي، حيث يداوم المعلم في التعليم الأساسي 27 ساعة أسبوعياً، بينما يقتصر النصاب في الثانوي على 20 ساعة فقط. وفيما يعلّق بعضهم آمالاً على نتائج التقييم التشخيصي الذي أُجري في نهاية العام الدراسي لمعالجة الفاقد التعليمي، وينتظرون اتخاذ إجراءات منطقية بناءً عليه، يقلّل آخرون من أهمية هذا التقييم في قياس مستوى تحصيل المتعلمين.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد