ليلى عماشا/ العهد الإلكتروني
مرة جديدة، تسطع نورانية مجتمع المقاومة ومعاييره الثقافية والإنسانية العالية، رغم وابل القهر الذي يحاصره ويستهدفه على مدار الساعة بشتّى أنواع الاعتداءات. مرّة جديدة، يتقدّم هذا المجتمع بثبات في المسار التصاعدي للأخلاق والقيم الإنسانية بمواجهة كلّ صنوف الإلغاء والانعزالية والتمييز الطائفي. مرّة جديدة، يطلّ على العالم وجه "بيئة المقاومة" بكلّ ما فيه من تعابير الحبّ والترابط الإنساني رغم المساعي المتراكمة لتشويهه ونبذه وتنميطه وتصويره كحالة "إرهابية" كما يحلو للأميركي تصنيفه.
حزب الله، الذي يعتدي عليه وعلى بيئته عالم الاستكبار من أعلى قمة هرمه إلى قاعدته المتشكّلة من أدوات إعلامية وسياسية رخيصة، استبق زيارة البابا لاون إلى لبنان برسالة تستحقّ أن تُدرّس لما حملت من رقيّ إنسانيّ وسموّ أخلاقي واحترام للأديان السماوية وممثليها، ولما فيها من تمسّك بقواعد العيش المشترك وباحترام الأصول الحافظة للأمن وللاستقرار، وبالحفاظ على الحق بمواجهة أي عدوان أو احتلال كحقّ طبيعيّ وكحالة هي من فطرة الإنسان.
وجّه الحزب رسالته هذه، بالأسلوب التخاطبي الأرقى، لا طمعًا في حظوة لدى الحبر الأعظم ولا مجاملة لأي جهة داخلية أو خارجية، لا تملّقًا لا يحتاجه الحزب وأهله أصلًا، ولا استرضاء لأحد. الهدف الوحيد من الرسالة كان الترحيب بلغة أهل الفداء والحبّ، الذين فطرتهم النقية تدعوهم إلى قبول الآخر، وإلى رفض أي تمييز بالمعيار العرقي أو الديني أو المذهبي تحت أيّ ظرف وأيّ ضغط.
في المقابل، تلقّف متأمركو البلد الرسالة بكلّ ما فيهم من ضغينة وإرباك، فبكلماتها البسيطة فضحت رسالة المحبّة والترحاب سيل الأكاذيب السامة التي دأب هؤلاء على استخدامها من أجل تشويه الصورة الحزباللهية وتقديمها كمشهد إرهابي متوحّش وإلغائي، فانكبوا على الردّ عليها بصيغ كلامية محمّلة بكلّ الإلغائية الممكنة، وبمواقف انعزالية رافضة لكلّ مظاهر العيش المشترك، ناقمة على الضوء إذا الضوء سطع من جهة المقاومة. ولعلّ الردّ الأكثر وضوحًا على الرسالة جاء من الجانب "القواتيّ" الذي بدا وكأن مضمونها أحبط مرة جديدة مساعيه إلى تغريب حزب الله وعزله وتشويه صورته، ومن هنا سارع إلى تصدير بيان حاول فيه التشكيك في كلّ ما ورد في رسالة الأخلاق العالية، بأسلوب سطحيّ يكشف إفلاسًا وارباكًا على مستوى التخاطب كما يعكس تشوّهات حادة في المفاهيم والقيم الإنسانية. بدورهم، سارع "الكتائبيون" إلى تسجيل ردّ رسمي على الرسالة، تضمّن مغالطات شديدة الوضوح بحيث إنّها لا تُقنع حتّى كاتبها، وكذلك تضمّن تضليلًا ركيكًا في ما يخص مسار المقاومة ودورها في لبنان.
الأدب الرفيع الذي عبّر عنه حزب الله، لا يتأثر بنقيضه الذي عبّر عنه المتعجلون إلى ردّ على رسالة لم تُوجّه إليهم أصلًا. وكلّ الغيّ الذي يعبرون عنه منذ سنوات لا يغيّر في حقيقة البناء الإنساني والأخلاقي والثقافي الذي يمثله الحزب ويعبّر عنه أهله، أهل الحب والقيم العالية. ولهذا، لم تنجح هذه الردود الأقرب إلى همجية الإلغاء ووحشية التغريب والانعزال من ترتيبات الحزب الراقية في مواكبة زيارة الحبر الأعظم إلى لبنان، فمن اعتاد مخاطبة الآخرين بأخلاقه وبثقافته، لا يغيّر في لهجة خطابه صوت الأبواق التي اعتادت بدورها على السلوك التضليليّ الساعي إلى تحريف الحقائق وتشويه الوقائع. استقبلت أجيال السيد، أبناؤه وبناته في كشافة الإمام المهدي (عج)، البابا لاون الرابع عشر بأجمل صورة حضارية على طول المسار الذي سيسلكه موكبه في الضاحية. حضر ممثلوه الرسميون بكلّ ما فيهم من رصانة وثقافة إنسانية مراسم الاستقبال في مطار بيروت كما في القصر الجمهوري، مع الإشارة إلى عدم حضور رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع هذه المراسم إذ لم يُدعَ إليها وهو أمر مفهوم وطبيعي بروتوكوليًا رغم شعور بعض "القواتيين" بالحزن جراء ذلك وتحويلهم الموقف إلى مساحة تصويب على رئاسة الجمهورية.
الزائر الكبير التقى بمن من المنطقي أن يلقاهم سواء بمعيار التمثيل في البلد أو بمعيار القيم التي يدعو إليها السيد المسيح (ع) ومنها ثقافة احترام الآخر والرقيّ الإنساني والدفاع عن الحقّ والفداء والوفاء. بكلام آخر، الثقافة التي يفتقدها الإلغائيون والانعزاليون والخونة والمنبطحون والانهزاميون.
أهل الحبّ في الشارع المسيحيّ، المنزّهون عن خطايا أهل الإلغاء والقتل على الهوية، لم يتفاجؤوا بمشهد مجتمع المقاومة، الشعبي والرسمي، في استقبال البابا. فهم يعرفون حقّ المعرفة أنّ هذا المجتمع الباذل روحه دفاعًا عن الأرض والحق وحياة الإنسان، لم يسقط مرّة في بؤرة التمييز الطائفي. بعضهم، وصف المشهد الراقي بكلمات معبّرة وذات مضمون عميق جدًا: هؤلاء هم أبناء السيد حسن.
تمامًا كما وصفوا سابقًا الصور والمشاهد التي نقلت استبسال رجال حزب الله في حماية وإنقاذ راهبات معلولا في سورية، والاحترام الأرقى في تعاطيهم مع الرموز والمقدسات المسيحية، واعتبار صونها بمواجهة الإرهاب التكفيري واجبًا تُبذل لتأديته الأرواح. وكذلك استعادوا الكثير من المحطات التي سبق وأن رأوا خلالها في سلوك حزب الله أعلى وأسمى مظاهر الرقيّ والارتقاء الإنساني. وبالطبع هذا السطوع المتجدّد والأصيل يرهق بصر الساعين منذ سنين إلى حجبه بالأكاذيب وبالأضاليل، ويدفعهم إلى ردود سطحية تنضح بالطائفية وبرفض الآخر!.