زينب بزي (صحيفة الأخبار)
«20 كلغ بطاطا بتساعد»، هو عنوان الحملة الجديدة لوزارة الزراعة بالتعاون مع وزارة الإعلام. حملة يخيّل لمن يسمع بها أنّ واقع إنتاج البطاطا ومبيعه وتصديره لا يلزمه سوى تشجيع الاستهلاك بدعاية كهذه. لكن يتبيّن سريعاً أن هذه الدعاية تهدف إلى الاستعاضة عن الأخطاء في السياسات الحكومية لـ «ترقيع» إغراق السوق بالواردات المصرية.
يقدّم رئيس جمعية المزارعين اللبنانيين أنطوان الحويّك، رواية صارخة لما يجري في قطاع البطاطا: انهيار منظّم سببه قرارات حكومية تُكرر الأخطاء نفسها منذ 25 عاماً.
فما يحصل أنّه، دائماً تسمح السلطات اللبنانية باستيراد البطاطا المصرية بالتزامن مع بداية موسم عكار ما يؤدي إلى سقوط حرّ لأسعار المبيع تحت سعر الكلفة المحلية، إذ تتدفق آلاف الأطنان الرخيصة إلى السوق قبل أن يبيع المزارع العكاري أول «شوال». هو «قرار وزاري يخرّب موسماً كاملاً»، لا سيما أنّ التصدير هذا العام شبه مستحيل، لأنّ أكلاف الإنتاج في الخارج أدنى من تلك في الداخل.
ووفق أرقامه، تبلغ كلفة زراعة الدونم نحو ألف دولار، أي إن المزارع يستثمر 100 ألف دولار في كل 100 دونم «لكن الأسعار في السوق المحلية لا تعوّض ثمن البذار». فأسعار مبيع البطاطا في السوق اليوم، أدنى من كلفة الإنتاج بنسبة 30%، وفق الحويك.
يباع الكيلوغرام الواحد بين 20 ألف ليرة و25 ألف ليرة، بينما تتطلب استعادة الكلفة بيعه بقيمة 35 ألف ليرة على الأقل لتغطية الكلفة المرتفعة التي تأثّرت بالسعر العالي للبذار والري والأسمدة والمازوت، علماً بأن السعر الأعلى أي ما يسمى بالـ«إكسترا» بالكاد يصل إلى 32 ألف ليرة.
أما الحملة التي تروّج لها الوزارتان، فيراها الحويك «مجرد مكياج إعلامي لقرار سياسي فاشل». والبطاطا أساساً لحمة الفقير واستهلاكها المنزلي ثابت أصلاً. أضف إلى ذلك أنّ البطاطا تتلف إذا خُزّنت بكميات كبيرة، فلا يمكن للعائلات شراء أكثر من حاجاتها حتى لو انخفض سعرها. ما يعني أن الحملة الدعائية وبعكس ما تهدف إليه، لا تحفّز الاستهلاك.
ويذهب الحويك أبعد من ذلك في انتقاد السياسة اللبنانية تجاه مصر، معتبراً أنّ الدولة «وافقت على ربط البطاطا بالتفاح» رغم انعدام التوازن التجاري، فحتى اليوم لا زلنا نستورد من مصر ما يفوق ثلاثة أضعاف ما نصدّر إليها، فليس من المنطقي ربط السلعتين ببعضهما البعض، ولكن لا يوجد «رجال» لتتكلم، بحسب تعبيره. وهنا يستنتج الحويك خلاصة واحدة: الدولة تعمل بلا أيّ رؤية للقطاع الزراعي.
وبحسب المعنيين، فإنّ الهدف يفترض أن يرتبط بإيجاد توازن ما بين تحقيق الاكتفاء الذاتي من الإنتاج المحلي وبين الكمية اللازمة للاستيراد، إذ يمكن زيادة إنتاج البقاع قليلاً، لكن الواقع أن الاستيراد لم يعد يمثّل «ضرورة» بمقدار ما هو «خيار سياسي خاطئ».
وبحسب أرقام الجمارك اللبنانية، فإنّ لبنان استورد حتى نهاية آب 2025 نحو 87075 طناً من البطاطا التي تصنف طازجة أو مبردة، مقارنة مع 73936 طناً في الفترة نفسها من السنة الماضية، أي بزيادة نسبتها 17%، أي إن الكميات الإضافية الواردة ليست بسيطة، بل تكاد تكون كافية لتدمير قطاع بأكمله.
وفي هذا السياق، يقول الرئيس السابق لنقابة مزارعي البطاطا في البقاع جورج صقر، إنّ الكارثة الحقيقية التي حلّت هذا العام تمثلت باستيراد أكثر من 90 ألف طن، مشدّداً على أنّ الأرقام الرسمية ليست دقيقة. وأضاف أنّه تم استيراد هذه الكمية بحجّة «التصنيع»، إلا أنّ أسعار السوق كانت «أربح»، ما أدّى إلى ضرب الإنتاج المحلي. ويشير إلى أن الإنتاج المحلي الذي يقدّر اليوم بنحو 400 ألف طن، يفيض عن حاجة الاستهلاك المحلي البالغ 200 ألف طن «لكن أصل المشكلة يكمن في السياسات الكارثية». استمرار هذه السياسات يعني أن «المزارع الذي خسر هذا العام، سيخفض إنتاجه في السنة المقبلة إذا تجرأ أساساً وزرع».