الأخبار ـ نقولا ناصيف
اخيرًا أُعطي اللبنانيون والكتل قبلهم مادة جديدة للسجال كما للاشتباك، هو دقّ ناقوس الخطر ليس على انتخاب الرئيس فحسب، بل كذلك على الاستحقاق التالي الوشيك على مسافة سنة ونصف سنة من الانتخابات النيابية العامة ربيع 2026: قانون الانتخاب. علة العلل وأولها.
دوران الاستحقاق الرئاسي في حلقة مفرغة هو في الواقع دورانه من حول الكثير الذي دار ولا يزال من امامه ومن ورائه: مشكلته الأولى المرشح المسموح والمرشح الممنوع. مشكلته الثانية الخلاف من حول حوار يسبق انتخاب الرئيس أم يليه. مشكلته الثالثة ان عليه انتظار انتهاء حرب غزّة ومن ثمّ اقفال جبهة الجنوب قبل الخوض فيه. مشكلته الرابعة ان صار عليه انتظار الانتخابات الرئاسية الأميركية كي تعاود واشنطن اهتمامها به. مشكلته الخامسة ان الداخل يعجز عن الاتفاق والخارج لا يريد راهنًا إيجاد مخرج له. مشكلته السادسة الأحدث وليست الأخيرة ان الكلام بدأ خجولًا لكنّه جدي عن ربطه بقانون الانتخاب توطئة للانتخابات النيابية العامة ربيع 2026. بذلك يصبح الاستحقاق الرئاسي أو يكاد ملحقًا بالمحطات هذه أكثر منه واجبًا دستوريًا معطلًا.في احاديثه الأخيرة، أبدى رئيس البرلمان نبيه برّي خشيته من أن يفضي استمرار الشغور واطالة امده إلى الوصول به إلى موعد انتخابات 2026. ليست هذه فحسب المشكلة التي دلّ عليها، بل تلميحه إلى أن ما ينتظر الانتخابات النيابية العامة المقبلة يتقدّم موعدها الداهم بما لا يقل عنه أهمية، وهو قانون الانتخاب. باكرًا تزايد الحديث همسًا وعلنًا، في موازاة الشغور، عن انقسام الافرقاء من حول قانون الانتخاب النافذ المفترض ان انتخابات 2026 تختبر احكامه للمرة الثالثة بعد عامي 2018 و2022 وان معدّلًا في المرتين السابقتين.
يُعزى الخوض المبكر في قانون الانتخاب لا في انتخابات 2026 - والواضح انه هو لا هي المعضلة الفعلية - إلى واقع البرلمان الحالي الناجم عن انتخابات 2022 بكتل كبرى وأخرى صغرى ونواب مستقلين على نحو ادّت طبيعة الائتلافات والتحالفات فيه في السنتين الأخيرتين في عمره إلى تشتت الأكثرية المطلقة. تعذّر على أي فريق كما على أي تحالفات كتل بلوغها، ثمّ أتت جلسات انتخاب رئيس الجمهورية كي تعكس التشتت هذا سواء في امتلاك نصاب النصف زائدًا واحدًا أو في نصاب الثلثين. ادهى ما في أعراض البرلمان الحالي ذهبت ضحيته إلى الآن على الاقل انتخابات رئاسة الجمهورية، امساك الثنائي الشيعي بالمقاعد الـ27 كلها في طائفته وتقاسم كتلتين مسيحيتين كبريين التمثيل المسيحيى بينما النواب السنّة موزّعو الولاء يفتقرون إلى مرجعية. اما ادهى الادهى فعبّرت عنه جلسات انتخاب الرئيس إلى الآن من خلال إدارة البلاد بفيتويْن مقلقين وخطرين هما الفيتو الشيعي والفيتو المسيحيى الحائلان دون الوصول إلى رئيس للجمهورية.
ذلك ما اتاح احاديث شتّى أقرب إلى اشاعات عن ربط ضمني بين انتخاب رئيس للجمهورية واجراء انتخابات نيابية عامة جديدة. بعض الكلام المُساق طرح تساؤلًا قديمًا - جديدًا: مَن يسبق الآخر؟ انتخاب الرئيس أم انتخاب البرلمان. الاستطراد المكمّل للتساؤل هذا طرْح افرقاء انتخابات نيابية مبكرة توطئة لانتخاب الرئيس في ظل اعتقاد ان تفكك البرلمان الحالي سيحول في كلّ المرات دون الوصول إلى خاتمة الاستحقاق، وقد يفضي حكمًا إلى تمديد ولاية مجلس النواب ما ان توشك على الانتهاء تفاديًا لفراغ في السلطة الاشتراعية. في اتفاق الدوحة عام 2008، في ظل شغور رئاسي آنذاك سنة قبل انتهاء ولاية مجلس النواب المنتخب عام 2005، كان قانون الانتخاب بندًا رئيسيًا أقرب ما يكون إلى شرط ملازم لانتخاب الرئيس التوافقي حينذاك. خلافًا للاصول المفترض اتباعها ومكانها الاصلي في مجلس النواب، صار إلى تقسيم الدوائر الانتخابية في قطر، وكُرِّس التقسيم هذا في نص الاتفاق ملزمًا البرلمان التصويت عليه في ما بعد. قانون الانتخاب ذاك برقم 25 الصادر في 8 تشرين الأول 2008 لم يعش سوى لدورة انتخابية واحدة.
المعضلة نفسها مرشحة لأن تتكرّر في الاستحقاق الرئاسي الحالي المطابق للكثير مما رافق ما قبل الوصول إلى اتفاق الدوحة: شغور رئاسي، انقسام من حول حكومة الشغور، انقطاع التواصل والحوار بين الافرقاء وخلافهم على سبل انتخاب الرئيس وتعذّر اكتمال نصاب البرلمان. إلى هذه وتلك، ثمة ما هو مشابه ايضًا للمصادفة: قبل الوصول إلى شغور 2007 اشتبك حزب الله مع "إسرائيل" في حرب ضارية لسنة خلت انقسم اللبنانيون والافرقاء من حولها هي حرب تموز. ذلك ما سيتكرّر بعد شغور 2022 بانخراط حزب الله في اشتباك آخر مع "إسرائيل" لا يزال مستمرًا انقسم اللبنانيون والكتل كذلك من حوله. جملة المعطيات هذه تدلّ من حيث شاءت أو لم تشأ إلى أن المخرج المفترض من جملة المآزق تلك هو استعادة سابقة اتفاق الدوحة. ما حدث في ما مضى هو نفسه أو يكاد الآن. من ذلك قول برّي ان الحوار أولًا ثمّ انتخاب الرئيس وما قد يجر اليه.
قانون الانتخاب النافذ، القائم على التصويت النسبي والصوت التفضيلي الواحد، هو أحد الإشكالات الجديدة المستجدة على الاستحقاق الرئاسي. افرقاء يريدونه وآخرون باتوا يرذلونه: يتحمّس له ولاستمراره - وقد يكون الوحيد - حزب القوات اللبنانية بعدما اعطاه مع حلفائه 20 نائبًا. الثنائي الشيعي يرفضه حاليًّا رغم تمكّنه بفضله من الاستئثار بالمقاعد الـ27 للطائفة، بيد أنه حرمه ما امل فيه وهو حصوله على الأكثرية المطلقة. التيار الوطني الحر بدوره لا يستسيغه بعد اكتشافه ان نصف مقاعد الكتلة على الاقل التي تضمه مع الحلفاء حصل عليها بفضل حواصلهم لا أصوات المقترعين. السنّة وان لسبب لا صلة له بالقانون مقدار تجريدهم من مرجعية الرئيس سعد الحريري وتشتيتهم اضحوا أولى ضحايا القانون نفسه: ما ربحوه منه في انتخابات 2018 حرمتهم اياه انتخابات 2022.
ربما الاصح ان يقال إن قانون الانتخاب، المختلف عليه الآن، صنعه خصوم اليوم بعدما كانوا حلفاء الامس غداة انتخاب الرئيس ميشال عون عام 2016، واقاموا أحكامه حجرًا فوق حجر.