«ليس من باب التضامن، وليس من باب ردّ الجميل، لا جميل بين الأشقاء، وإنما واجب الأخ تجاه أخيه، واجب أبناء العائلة الواحدة»، بهذه العبارات يلخّص شاب سوري يعيش في ألمانيا عرضه منزله في دمشق لاستقبال عائلة لبنانية نازحة، ضمن حملة شعبية عفوية لا شعارات فيها لمؤازرة اللبنانيين الذين يتعرضون لعدوان إسرائيلي شرس، على خلفية مؤازرة الفلسطينيين الذين يتعرضون لحرب إبادة في غزة. في الشارع السوري، تختلف طرق وأساليب التعبير عما يرفض كثيرون تسميته «تضامناً»، البعض يتسمّر أمام شاشات التلفزيون ووسائل الإعلام لمتابعة الأخبار وكل مستجداتها، والبعض الآخر يحاول الوصول إلى طريقة فعّالة لمساعدة اللبنانيين الذين بدأوا يدخلون إلى سوريا ضمن موجة نزوح تذكّر بتلك التي حدثت في تموز 2006.وبين عام 2006 والعام الحالي، ثمة متغيرات كثيرة في سوريا ذاتها؛ فالبلد الذي كان موحّداً ومتماسكاً ويسير خطوات على طريق التطور والنهوض، يعيش الآن أوضاعاً صعبة، سواء على الساحة الميدانية الممزّقة، أو الاجتماعية والمعيشية، بعد أن تعرّض الاقتصاد السوري لحرب تدمير ممنهجة، وهذا ما يفسر اختلاف طريقة التعاطي مع آثار العدوان الإسرائيلي الجديد، خصوصاً أن بين المعارضين السوريين، والذين يعيشون في مناطق سيطرة المجموعات المسلحة، من هلّلوا لشلال الدماء المنفجر في لبنان، وهم أنفسهم من هلّل للاعتداءات الإسرائيلية على سوريا.
إلى جانب حملة الترحيب بالنازحين اللبنانيين البعيدة عن الأضواء الإعلامية، أُطلقت الدعوات لتنظيم حملات للتبرع بالدم، كما أعلنت وزارة الصحة استعدادها لاستقبال ومعالجة الجرحى. وأعلن مدير الدفاع المدني في حمص العميد مهذب المودي تجهيز 5 مراكز إيواء رئيسية تتسع لحوالي 40 ألف شخص و 9 مراكز إيواء احتياطية تتسع لحوالي 25 ألف شخص، وهي مجهّزة بكل الخدمات الضرورية من ماء وكهرباء ومرافق صحية وهاتف، وفيها مواد الإيواء الضرورية بما في ذلك أدوات المطبخ.
وعدّلت وسائل الإعلام السورية برامجها، وأفردت ساعات يومية لنقل أخبار العدوان، إلى جانب إطلاق حملات تضامنية. وأطلق «تلفزيون الخبر» السوري، حملة بعنوان «القلب ينبض في الجنوب». وقال مدير القناة بشير عبدالله عبد الوهاب لـ«الأخبار» إن «التغطية تنطلق من منطلق الهوية والإنسانية أولاً، قبل أن تكون من منطلق مهني أو إخباري فقط، فالعدو عدو مشترك». كما تلعب إذاعة «شام إف إم» دوراً بارزاً في نقل مستجدات العدوان. وقال مدير الإذاعة سامر يوسف لـ«الأخبار»: «يجب القيام بشيء في مواجهة لجوء وسائل إعلام عربية للترويج لحملة دعائية لصالح إسرائيل»، موضحاً أن «للبنان عموماً والجنوب اللبناني على وجه التحديد خصوصية كبيرة لدى السوريين».
طوابير عند المعابر
وكانت المعابر الحدوديّة مع سوريا، سواء في البقاع أو الشمال، شهدت زحمة خانقة لآلاف اللبنانيين والسوريين. ولم تتمكّن المديريّة العامّة للأمن العام بعد من إحصاء الأعداد النهائية للمغادرين الذين قُدّروا بالآلاف، في ظلّ بقاء العديد منهم في الطوابير، حتّى منتصف ليل أمس بانتظار دورهم. فيما سُجّل خروج نحو 2600 لبناني و2400 سوري خلال ساعات بعد ظهر أمس، بينهم مئات السوريين الذين ألغيت رحلات سفرهم عبر مطار بيروت.
وواكب السوريون المشهد عند الحدود، بحملة تعاطف عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بالتزامن مع تحرّك رسمي سوري على مستوى المحافظين الذين وجّهوا بتقديم التسهيلات اللازمة لعبور الوافدين كما ترافقت تلك التوجيهات بمراقبة فعلية لعمل عناصر الأمن العام السوري.
وقالت مصادر ميدانية لـ«الأخبار» إن موجات العبور شملت كل نقاط الحدود، من المصنع إلى جوسي إلى العبودية، وقد شهدت نقطة المصنع – جديدة يابوس وحدها عبور أكثر من 6 آلاف شخص خلال 36 ساعة. وإن معظم السوريين هم من العمال وعائلاتهم ممن كانوا يقيمون في الجنوب والبقاع.
الازدخام دفع بالأمن العام اللبناني إلى التّخفيف من إجراءاته لتسهيل خروج هذه الأعداد الكبيرة، فتم التغاضي عن بعض الأوراق الثبوتيّة. ومن المفترض أن يُحصي الأمن العام اليوم الأعداد الرسميّة للمغادرين، على أن يعمل ضبّاطه على التخفيف أكثر من الإجراءات الأمنيّة لتسهيل أمور اللبنانيين والسوريين الذين يريدون الانتقال إلى سوريا.