لإثبات ذلك، وضع الباحثان عددًا من الأفراد في تجربة عملية، إذ كُلّفوا بكتابة قصة قصيرة من ثمانية أسطر، على أن تكون مناسبة لجمهور المراهقين والشباب، مع حرية اختيار الموضوع. في هذه التجربة، سُمح لبعض المُشاركين باستخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين نصوصهم ودعم أفكارهم، بينما لم يُسمح للآخرين بذلك. نشرت نتائج هذ الدراسة أخيرًا على منصة Science Advances.
بحسب هذه الدراسة، استخدام الذكاء الاصطناعي حسّن الأفكار الواردة في القصص النهائية وجعلها أكثر قبولًا عند المحكمين. في أعقاب هذا الاختبار، أجرى دوشي وهاوزر اختبارًا آخر للمُشاركين لقياس مدى إبداعهم من دون الاعتماد على الذكاء الاصطناعي. أظهرت نتائج الاختبار الأخير أن أولئك الذين يتميزون بإبداع فطري في سرد القصص حصلوا على درجات عالية في الاختبار، سواء مَن اعتمدوا على الذكاء الاصطناعي أم مَن لم يستخدموه.
لم ترتفع كتابات الأشخاص الأكثر إبداعًا إلى آفاق جديدة، أو بمعنى آخر لم يحمل الذكاء الاصطناعي أي فائدة لهم أو تأثير إيجابي في إبداعهم، بل كان له تأثير سلبي في بعض الحالات. أما أولئك الذين لديهم مستويات منخفضة في السرد، فقد أسهم الذكاء الاصطناعي في تحسين قدراتهم وقدموا بالفعل نصوصًا ذات جودة ملحوظة.
يبدو هذا أمرًا جيدًا بالطبع، خاصة أن الباحثَين وجدا أن متوسط الجودة لدى المشاركين قد ارتفع بالفعل. ربما يعني هذا أن الاعتماد على هذه التقنيات قد يحسن مستويات الإبداع والابتكار في مجال الكتابة. في الحقيقة، لم يكتفِ الباحثان بهذين الاختبارين فقط، فحين حلّلا القصص النهائية وقارناها بعضها ببعض، توصلا إلى أمر مثير للقلق. وجد الباحثان أن مستوى الجودة العامة قد تحسن بالفعل عند المُشاركين، غير أن المجموعة التي استخدمت الذكاء الاصطناعي كانت قصصها أكثر تشابهًا. وفقًا لهذه الدراسة، فقد خلص الباحثان إلى أن الذكاء الاصطناعي جعل أسلوب الكتابة أكثر احترافية بالفعل؛ لكنه قلل التباين في المخرجات الإبداعية. أو بمعنى آخر؛ الذكاء الاصطناعي يعمل على تحسين الكفاءة على حساب التنوع. لا تنطبق النتائج، بحسب الدراسة، على الفنون البصرية أو على المواد المكتوبة الأخرى، مثل الفكاهة مثلًا التي فشل الذكاء الاصطناعي في تعزيزها.
تُحذّر الدراسة من أن تقليص تنوع الأفكار الناجمة عن استخدام الذكاء الاصطناعي سيمثل تحديًا في المستقبل. بحسب هذه الدراسة، قد تكون النصوص الإبداعية، مثل المقالات والقصص ذات جودة أعلى عندما تُكتب بمساعدة الذكاء الاصطناعي، لكنها قد تكون جودة مملة، كما يقول دوشي وهاوزر في ورقتهما البحثية. وفي ظل عالم تنافسي، قد تبرز الحاجة إلى النتائج التي تُنشأ من دون مساعدة الذكاء الاصطناعي بسبب تميزها أو فرادتها.
في الوقت الذي تُشير فيه هذه النتائج إلى زيادة في الإبداع الفردي، فهناك خطر آخر متمثل في فقدان الإبداع الجماعي. وإذا ما افترضنا مثلًا أن صناعة النشر ستعتمد في المستقبل على القصص المكتوبة بمساعدة الذكاء الاصطناعي، حينها ستكون القصص المنتجة أقل تفرّدًا وأكثر تشابهًا بعضها مع بعض بمرور الوقت. السبب هنا، كما تقول الدراسة، أن الذكاء الاصطناعي يتغذّى على ما هو متاح، فإذا كان المتاح متشابهًا فإن نسبة التباين ستتقلص بدورها على نحو مطرد.
قد تحمل هذه الدراسة جانبًا مطمئنًا، لكنها طمأنينة حذرة ومتوجسة بشأن الاعتماد الواسع والمتزايد على هذه التقنيات. فقد تساعد هذه التقنيات الأشخاص الأقل إبداعًا لكنها تقلل إبداع المجموعة ككل، وهي مُقايضة مربكة بلا شك. على الرغم من أن الدراسة قاصرة على مجال الكتابة الإبداعية فقط، إلا أنها تؤكد المخاوف التي عبر عنها بعضهم من أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون مفيدًا ولكنه في النهاية لا يقدم شيئًا جديدًا ومبتكرًا. ولا شك أن الحماسة لتقنيات الذكاء الاصطناعي تتزايد مع الوقت، غير أن هذه الدراسة تثبت أن المخاوف بشأن تأثيراته ستظل حاضرة أيضًا.