أوراق اجتماعية

ليلة المجازر في البقاع: بنك أهداف مدني

post-img

لطالما ارتبطت الحرب مع إسرائيل في لاوعي أهل البقاع، خصوصاً الشرقي والشمالي، بأنها تبدأ وتنتهي عند الحدود. أبناؤهم كانوا يذهبون إليها مقاومين ويعودون شهداء. لكنها قلّما حلّت بينهم كما فعلت ليل أول من أمس، عندما «أمطرت» السماء، حرفياً، لهباً وصواريخ في أكثر من 150 غارة 60 منها في مدينة بعلبك ومحيطها. كانت «ليلة من الرعب»، تقول امرأة خرجت حافية القدمين من منزلها في حي البساتين في بلدة يونين، بعدما انفجر البيت المجاور بسكّانه. مشت «تحت النار» بلا وجهة محدّدة، مع آخرين، كانت تعدّ الضربات: «1. 2... 7 غاراتٍ استهدفت حقل المشمشة في الضيعة خلفنا. سرنا في الطرق الزراعية 3 ساعات إلى أن وصلنا إلى منطقة الزعرور». حتى اللحظة، لا تصدّق هي ومن خرجوا معها من الجحيم أنّهم نجوا. طوال الأيام الثلاثة التي عاشوها في البلدة، تيقّنوا من أن «بنك الأهداف» هو بيوت المدنيين. لذلك، صار الخروج من الضيعة حتمياً.

عنف الغارات على مدى الأيام الثلاثة الأخيرة أدّى إلى حركة نزوح كبيرة إلى الأراضي السورية وإلى مناطق الشمال، وزادت مع حزام النار الذي فرضه العدو الإسرائيلي، ففرغت غالبية البلدات التي تعرّضت للقصف، وخلت غالبية أزقتها وأحيائها من المارّة. ولم يتبقّ إلا القليل من المحال لتلبية حاجات القلّة التي بقيت. ليست الطرقات الفرعية وحدها مقفرة، فحتى الحركة على طريق بعلبك الدولية شبه معدومة في الاتّجاهين: بعلبك - الهرمل، ريّاق - زحلة. لا مظاهر لـ«الحياة» إلا عند الاقتراب من مستشفيات المنطقة أو الأماكن المستهدفة حيث يتجمّع العشرات لرفع الأنقاض وانتشال جثث الشهداء بمعدات متواضعة وفردية صغيرة، ما يظهر الغياب الصادم للدولة. صحيح أنّ أهل البقاع معتادون على غيابها، إلا أن ما جرى في اليومين الماضيين، جدّد نقمتهم عليها، بعدما وجدوا أنفسهم متروكين وحدهم.

«حرفياً، لا أحد ساعدنا في لملمة أشلائنا»، تقول إحدى الناجيات من حي المحطة في مدينة بعلبك، والذي دُمّر عن بكرة أبيه. وكما في المحطة، كذلك في أماكن أخرى، حيث وقعت المجازر، من يونين إلى النبي شيت وطاريا وحيّ الكرك في زحلة... «لجأ الناس إلى بعضهم»، يقول أحد الشبان، مشيراً إلى أنّ «جارنا أحضر جرافته لرفع الأنقاض لتسهيل سحب جثث الشهداء»، ولذلك كانت تطول عمليات رفع الأنقاض. وينسحب الأمر على باقي الأحياء التي وقعت فيها المجازر. في المبنى الملاصق لمحطة النمر في بعلبك حيث وقعت مجزرة راح ضحيتها 17 شهيداً و10 جرحى من النازحين السوريين، استمرّت عملية رفع الأنقاض حتى ساعات متأخرة من الليل بسبب محدوديّة الآليات الموجودة، فلا جرافات كبيرة ولا حتى صغيرة لا من الدولة ولا عند البلديات، فضلاً عن سيارات الإسعاف، حسب ما تشير مصادر معنية بأعمال الإنقاذ ورفع الأنقاض.

البلديات تقرّ بضعفها وعجزها عن تأمين الإمكانات اللازمة للمساعدة، سواء على المستوى اللوجستي لرفع الأنقاض أو توفير المساعدات للنازحين. وفي هذا السياق، يشير رئيس اتحاد بلديات شرق بعلبك علي شكر إلى أن «فرق الدفاع المدني والهيئة الصحية الإسلامية لا يمكنها فقط تحمل عبء الغارات العنيفة والمتتالية من دون دعم ومساعدة، ونحن بالفعل لا نستطيع أن نتحمّل أكثر من طاقتنا كما حال فرق الدفاع المدني التي رفعنا الصوت أكثر من مرة...»، مشيراً إلى أنه «في الاجتماع الأخير مع هيئة إدارة الكوارث طلبنا دعم فرق الدفاع المدني بإصلاح أعطال آليات الإطفاء وسيارات الإسعاف، فكان الردّ بأن هذه الأمور يتم بحثها والعمل عليها مع رأس الهرم ولا نزال ننتظر حتى اليوم».

بدت هيئة إدارة الكوارث خالية من أي خطط لمواجهة الكارثة

الكل بدا عاجزاً عن مجاراة الأحداث المتسارعة. بلدية بعلبك تملك جرافة وحيدة تستعملها لفتح الطرقات، فيما تملك بلدية دورس جرافة واحدة أيضاً، وحفارة تعطّلت أثناء حفر قبور الشهداء في بلدة عدوس أمس، كما يشرح شفيق شجاره، رئيس اتحاد بلديات بعلبك. يشير إلى أن حزب الله كان قبل الاعتداءات الأخيرة قد أنجز خطة استباقية لإحصاء وتسجيل أسماء كل أصحاب الآليات التي يمكن أن تساعد في أعمال الإنقاذ ورفع الأنقاض، «ولكن للأسف نواجه مشكلة في عدم القدرة على التواصل معهم». وأضاف أن «العجز لا يطاول فقط البلديات وإنما أيضاً هيئة إدارة الكوارث التي بدت خالية من أي خطط لمواجهة ما نمرّ به. وحتى بالتواصل مع الجهات المانحة كان الردّ بأن التواصل يتم حصراً مع محافظ بعلبك ــ الهرمل بشير خضر حصراً ولا يمكن فتح قنوات تأمين مساعدات مع الاتحادات والبلديات».

وكانت غارات العدو شملت كل المناطق البقاعية متسبّباة بمجازر متنقّلة بين أكثر من منطقة، أكبرها كانت مجازر يونين (23 شهيداً) وبعلبك (17) وحي الكرك (13). وطاولت الغارات معظم مناطق البقاع كما أن غالبية القرى المستهدفة طاولتها أكثر من غارة، ومنها الرقم القياسي (60 غارة) الذي طاول مدينة بعلبك. كما استهدف العدو الإسرائيلي 4 معابر - جسور أساسية تربط لبنان بسوريا وهي العريض ومطربا وصالح وقيش. ومن المناطق المستهدفة (بقاع أوسط وغربي وشرقي وشمالي): بعلبك، كفرزبد، قوسايا، سحمر، يحمر، لبايا، النبي عثمان، الهرمل، جنتا، اللبوة، السفري، الخريبة، حوش السيد علي، القصر، طليا، سرعين، الخضر، علي النهري، حارة الفيكاني، ماسا، تعلبايا، جلالا، الكرك، شعت، يونين، النبي شيت، لبايا، مشغرة، رأس العين، رياق ومحيطها، جرد كرم ـــ نوح في زحلة، الحلانية، بريتال، العين، دورس، زلايا وقليا.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد