سيدي أبا هادي سلام الله عليك وعلى روحك الطاهرة، الكلام معك وعنك سيطول ويتوالى ولن ينتهي...
ولكن حسبي اليوم أن أبارك لك هذه الشهادة العظيمة...
وأنت تعرج إلى الله كما الأنبياء والأولياء والأئمة الشهداء...
انتقيت فرصتك الذهبية وسط لجة العدوان وفي غمرات الحرب ومن مقر قيادتك لمعركة الدفاع عن لبنان وشعبه والإسناد لغزة وفلسطين وقضيتها وشعبها... مضيت شهيداً كما أحببت ملتزماً بالموقف الحقّ الذي لا محيد عنه... «الثبات والمضي حتى الشهادة بمواجهة العدوان الأميركي - الصهيوني المُتوحش، إسناداً ودعماً لغزة ودفاعاً عن لبنان، وحفظاً لكرامة الشرفاء في منطقتنا».
استندت في ذلك إلى إيمان راسخ وبُعد نظر إستراتيجي وإلى وفاء الحاضنة الشعبية للمقاومة، وإلى الثقة العارمة التي رسّختها في نفوس أهلنا نتيجة صدق المواقف ونموذجية الأداء وتحقق الإنجازات.
لقد رسمت السبيل الطبيعي للإنفراج والتوصل إلى حلّ، وكُنت واثقاً وصريحاً وواضحاً أن أول خُطوة نحوه، هي في وقف الحرب على غزة.
ولقد هيّأت لذلك كُل المُستطاع... وأعددت أبطالاً حُسينيين... يثبُتون في الميدان ولديهم الجُهوزية الكاملة لمُلاقاة العدو وكسر شوكته وإفشال أهداف اعتداءاته وفرضِ مُعادلة الردع عليه.
ورغم استشهاد ثُلة ممن سبقك من هؤلاء الأبطال، القيادات والمُجاهدين، فالمقاومة التي وهبتها عُمرك الشريف، تزخر بالكثيرين من أمثالهم فضلاً عن بدائلهم المُهيئين...
فيما بُنية المقاومة حصينة ومُصانة بإرادات رجال صادقين مُخلصين وأوفياء، وبإذن الله لا تهزها الزلازل ولا خارقاتُ القنابل.
أما الوظائف فموزعة ومُصنفة ومُحددة وواضحة، لا يخلو فيها موقع ولا يسكنها فراغ... تجري مهامها بحيويةٍ وجدية ونظم وإخلاص.
لقد كُنت يا سيدي تُمثل في هذه البُنية الرؤية التأسيسية والمُواكبة الراعية، وكُنت تُمثل ملاذ سكينةٍ وواحة إطمئنان نفسي، لا يملأهما إلا قائد إستثنائي واثق وصلب، خبير وحكيم، عقله وقلبه وجوارحه طوع دينه ويقينه وقيمه، لا تغشّه الإدعاءات ولا فنون الاستعراضات ولا تُثنيه عن عزمه صعوبات أو مخاطر وأهوال... له بالله ثقة مُطلقة ويشد عضده بإخوة إيمانٍ وجهادٍ جادين ومُخلصين.
لقد كُنت في مسيرتنا يا سيدي: العلم والركن والأخ والقائد والحبيب... تتمنى فتلبّى، وتأمر فتُطاع، وتنهى فتكون النهاية، وتحزن فتنفطر لحزنك القلوب، وتبتسم فتنأسر لبسمتك الجنان...
يا سيدي كنت وستبقى طود عزنا ورائد انتصاراتنا وموئل سكينتنا ومورد أُنسنا وشوقنا وسرورنا... كُنت مُمثل الولي فينا وُكنت الزين لمنهجه والمثال المُخلص في تبيان الموقف وحُسن الأداء...
نعم... قليلُون هم أمثالك ولذا يعزُّ علينا الفراق وقد اعتدنا بحضرتك وحضورك كيف نفترق لسويعات... لينجز كل واحد مهامه ثم نعود للقاء.
مثلك يا أبا هادي، لا يُغادر حياتنا.. فكيف يُفارق مسيرتنا والحق أقول لك يا أخي وحبيبي:
أليمٌ... أليمٌ... أليمٌ ومُوجع لهب فراقك... وجمرُ شوقنا إليك لا يُخمده إلا النصر أو الإستشهاد.
التضحيات والمُكابرات... تهون كلها طالما أنها بعين الله وفي سبيله... والحمد لله سبحانه أن طريقنا واضح وولايتنا لله ونبيه (ص) وللأئمة من أهل بيت النبي (ص) ثابتة وراسخة، وثقتنا بالله عظيمة وصبرنا عصيّ على النفاد... وجهادنا مستمر ودائم وكما يحب الله لنا أن نكون فيه، صفاً مرصوصاً وبُنياناً صلباً ونصر الله آتٍ بإذن الله... والانجاز يتطلب أن ننفر جميعاً في سبيل الله خفافاً وثقالاً لا وقت لدينا نضيّعه في قيلٍ أو قال.
أمرنا اليوم هو: «تد في الأرض قدمك، أعر الله جُمجمتك وانظر إلى أقصى القوم»، وامضِ في طريق الشهيد أميننا العام، وكل شهدائنا الأبرار الذين هم صُناع مجدنا وانتصاراتنا ومجد وانتصارات شعبنا وأمتنا وأوطاننا في الحياة، وهم ممن نرجو شفاعتهم.