مجزرة حقيقية ارتكبها العدو الصهيوني، في حي المزة الدمشقي، حين استهدف بثلاثة صواريخ انطلقت من أجواء الجولان السوري المحتل شقةً سكنية مكونة من أربعة طوابق في بنايات الـ١٤، والتي هي عبارة عن طوابق سكنية ومحلات تجارية.
عدوان الكيان "الإسرائيلي" أدى، في حصيلة أولية، إلى استشهاد سبعة مواطنين بينهم نساء وأطفال، وجرح أحد عشر شخصًا نقلوا إلى المشافي القريبة، فيما يبدو عدد الشهداء مرشحًا للزيادة مع وجود مفقودين تحت الركام؛ حيث بقي الدفاع المدني يبحث عنهم حتى ساعة متأخرة من ليل العدوان.
رياح غزة تهبّ في دمشق
خرجت السيدة أمل هائمة على وجهها تحمل بيديها طفلتيها الصغيرتين، وهي تصرخ لزوجها المفقود الذي يعمل ناطورًا للبناية التي استهدفت في منطقة المزة. صلّت أمل كثيرًا كي لا يكون زوجها داخل البناية لحظة العدوان الصهيوني، وفيما أجهشت طفلتاها في البكاء نتيجة الخوف على مصير والديهما اختفت أمل وسط ضباب الدخان المنبعث من البناية المدمرة من دون أن نتمكّن من معرفة ما إذا كانت قد التقت بزوجها أو هرعت إلى مشفى المواساة علّها تجد فيه بقية من حياة مع الجرحى الذين استقبلهم قسم الإسعاف في المشفى.
يروي طارق لموقع "العهد" الإخباري كيف أن العدوان الصهيوني على المزة قد حصل في ذروة الازدحام الشديد، في المنطقة التي تستمر مطاعمها ودكاكينها في العمل حتى ساعات الصباح الأولى؛ حيث تهشّم محل الموبايلات الذي يملكه طارق، والذي يبعد مئات الأمتار عن البناء المستهدف يعكس شدة الانفجار واتساع المساحة الجغرافية التي تأذت بسبب العدوان.
أدراج البناء المهدم دمرت بالكامل؛ فاضطر عمال سيارات الإطفاء إلى استخدام سلالم سياراتهم الطويلة لإنقاذ من علق من الأهالي داخل بيوتهم المشتعلة وفيهم شهداء وجرحى. أما المحلات المجاورة فقد أصيبت إصابات بالغة وكان نسبة الأضرار أكبر كلما كانت هذه المحلات قريبة من البناء المستهدف. وسيارات الإسعاف هرعت بسرعة إلى المكان؛ وساعد الأهالي المسعفين في البحث عن ناجين فيما حضر محافظ دمشق وقائد شرطتها لتفقد المكان ومراقبة عملية إزالة الأنقاض وإسعاف المصابين.
خالد صاحب محل خياطة تضرر محله، بشكل كبير؛ أكد في حديثه لموقع "العهد" الإخباري أن ما كان يشاهده السوريون من عدوان صهيوني همجي على المدنيين الأبرياء في غزة والضاحية الجنوبية في لبنان باتوا يرونه اليوم بأم العين، مشيرًا إلى أنّ منطقة المزة، بنايات الـ١٤ في الشيخ سعد، تعدّ أكثر المناطق ازدحامًا ولا تنقطع عنها الأرجل، ليلًا نهارًا، خصوصًا في ساعة الذروة التي حصل فيها العدوان. ونعى خالد أصدقاءه وأبناء أصدقائه الذين ارتقوا في هذا العدوان البربري كما سماه؛ مؤكدًا أن الكيان "الإسرائيلي" يريد إشعال المنطقة بأكملها باستهداف حي مدني مكتظ لا وجود فيه لأي مظهر عسكري.
السفارة الإيرانية: لا شهداء إيرانيين بين الضحايا
وفور وقوع العدوان على المزة، تحركت مواقع إلكترونية سورية معروفة وتوجهاتها الرافضة للمقاومة نحو الزعم بأن العدوان "الإسرائيلي" يستهدف قائدًا في الحرس الثوري الإيراني، ليخرج عقب ذلك بيان من السفارة الإيرانية في دمشق يدين العدوان المجرم، وينفي وجود أي مواطن إيراني ضمن المبنى المستهدف.
المحلل السياسي محمد خالد قداح؛ أكد في حديثه لموقع "العهد" الإخباري أنّ الغاية من وراء هذا العدوان تكمن في توتير الأجواء أكثر في سوريا وإرسال رسائل واضحة إلى القيادة السورية بأن دمشق وغيرها من المدن السورية يمكن أن تتحول في أي لحظة إلى غزة أخرى؛ إذا لم تتوقف القيادة السورية عن تقديم الدعم الميداني واللوجستي للمقاومة الفلسطينية واللبنانية، مشيرًا إلى أن تهديدات قادة الكيان لدمشق بالتوغل داخل الأراضي السورية ليست خارج هذا السياق.
قداح ختم حديثه لموقعنا بالتأكيد أن جريمة الكيان "الإسرائيلي" في المزة والعدد الكبير من الشهداء والجرحى المدنيين الذين ارتقوا فيها تمثل تصعيدًا كبيرًا في المنطقة، وتهدف إلى جرّ دمشق من أجل خوض الحرب في هذه الظروف الصعبة التي تعيشها سوريا على المستويات كافة؛ الأمر الذي سيُسوغ للكيان قضم المزيد من الأراضي السورية بحثًا عن العمق الإستراتيجي الذي ما يزال يبحث عنه، وافتقده خلال الضربات التي تلقاها، سواء من المقاومة في فلسطين ولبنان أم من الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي كشفت هشاشة دفاعاته الجوية في وجه الصواريخ الإيرانية.