توجيهات الرئيس السوري بشار الأسد في اجتماعه الأول مع أعضاء حكومته الجديدة بشأن تقديم كلّ أشكال الدعم والاحتضان للوافدين من لبنان بسبب العدوان المستمر على هذا البلد الشقيق كما وصفه سرعان ما ترجمت سلوكًا عمليًّا على الأرض وقرارات سعت لتوفير كلّ أسباب الراحة والاستقرار لكل الوافدين المكتوين بنار العدوان، حيث تحولت كلّ مؤسسة سورية معنية بهذا الشأن إلى ورشة عمل حقيقية عملت على احتضان الوافدين وتأمين سكنهم وفتح المستشفيات لعلاجهم وتلقيح أطفالهم، فضلًا عن استيعاب الطلبة اللبنانيين في المدارس السورية وتقديم حسومات كبيرة وصلت إلى ٦٠ في المئة لمن يود السكن في الفنادق السورية، فيما تسابقت مؤسسات المجتمع المدني في سورية لاستقبال الوافدين اللبنانيين على أكف الراحة وتقديم كلّ ما هو ممكن لخدمتهم رغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها عموم الشعب السوري.
استنفار حكومي
وفق آخر الإحصائيات الرسمية الصادرة عن إدارة الهجرة والجوازات في سورية فقد بلغ عدد الوافدين اللبنانيين ١٠٠٩٠٠ وافد، ووفقًا للهلال الأحمر العربي السوري فإن نصفهم من الأطفال في حين بلغ عدد العائدين السوريين ٢٥٣٢٨٤ عائدًا.
وصدرت عن كلّ الوزارات السورية قرارات متتابعة بشأن احتضانهم واستنفار كافة القطاعات لأجل هذا الغرض حيث قامت وزارة التربية السورية باستقبال كافة الطلبة اللبنانيين في المدارس السورية، كما صدر قرار بمضاعفة أعداد الموظفين على المراكز الحدودية لتسهيل عمليات دخول الوافدين اللبنانيين وتذليل كافة العقبات لأجل ذلك بما فيها وقف إلزام القادمين من لبنان بتصريف ورقة الـ١٠٠ دولار إلى الليرة السورية حتّى إشعار آخر.
وزارة الصحة السورية استنفرت مشافيها وصدر قرار من الوزير باستقبال المرضى اللبنانيين في المشافي الحكومية السورية بشكل مجاني، كما جرى تأمين مراكز صحية على الحدود وفي جميع المحافظات السورية تقدم الرعاية
للوافدين وتقدم اللقاحات الطبية للأطفال. وبثت وزارة الصحة الإعلانات على وسائل الإعلام تدعو اللبنانيين إلى أخذ أطفالهم إلى المراكز الصحية لأخذ جرعات اللقاح بشكل مجاني.
ووفقًا لإحصائيات وزارة الصحة فقد تم تقديم أكثر من عشرين ألف خدمة مجانية للوافدين اللبنانيين حتّى الآن.
مدير صحة ريف دمشق ياسين نعنوس وفي حديثه لموقع " العهد" الإخباري أشار إلى أنه ومنذ بدء دخول الوافدين اللبنانيين إلى سورية بشكل كثيف تم تأمين عدد كبير من المراكز الصحية على النقاط الحدودية وتم تزويد كلّ مركز بعدد أطباء إضافي ومجموعة من الفنيين والممرضين إضافة إلى أربع سيارات إسعاف إحداها سيارة عيادة متنقلة، وهذا المركز يقدم الخدمات الطبية لجميع الوافدين اللبنانيين والسوريين على مدار الساعة وبشكل مجاني.
فاطمة رشيد مديرة الشؤون الاجتماعية والعمل شددت في حديثها لموقع "العهد" الإخباري على توجيهات الوزارة بتجهيز المنظمات غير الحكومية لتقديم كلّ أشكال الدعم للوافدين اللبنانيين من خلال الإمكانيات المتاحة ومن خلال الفرق التطوعية عبر جمعية تنظيم الأسرة والمؤسسة الشبابية لتقديم الخدمات الصحية بالإضافة إلى الأمانة السورية وعدد من المنظمات غير الحكومية التي تقدم وجبات غذائية على المعابر الحدودية بالنسبة للأطفال بالإضافة إلى الدعم النفسي في هذا المجال.
استقبال مساعدات الدول الصديقة
المحللة السياسية سيلفا رزوق أكدت في حديثها لموقع " العهد" الإخباري أن الحكومة السورية ورغم الظروف الاقتصادية الصعبة وما تعانيه من حصار وعقوبات وشح في الموارد النفطية نتيجة سرقة قوات الاحتلال الأميركية لمقدرات البلاد لم تتأخر لحظة في تقديم كلّ أشكال الدعم للوافدين اللبنانيين الذين رفضت تسميتهم باللاجئين احترامًا وتقديرًا لمكانتهم عند الشعب السوري. وأضافت أنها فتحت الباب أمام تلقي المساعدات الخاصة بالوافدين اللبنانيين من دول صديقة يأتي على رأسها إيران التي أرسلت عددًا من الطائرات المحملة بالمواد الغذائية والإغاثية والمساعدات اللازمة للوافدين وكذلك الأمر بالنسبة للعراق الذي قدم ولا يزال مساعدات في هذا الشأن، مشيرة إلى تعرض سيارات إغاثية قادمة من العراق لعدوان "إسرائيلي" قبل أيام، وكذلك روسيا التي دخلت على خط تقديم المساعدات ومثلها الباكستان التي أرسلت طائرة محملة بالمساعدات الغذائية والإغاثية إلى سورية.
ولفتت رزوق إلى وصول المفوض السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي إلى سورية وإطلاقه نداء عاجلًا من أجل وصول المساعدات إلى هذا البلد من أجل مساعدته على استقبال الوافدين وكذلك مواطنيه القادمين من لبنان.
وختمت المحللة السياسية حديثها لموقعنا بالإشارة إلى أن عدد الدول التي تقدم المساعدات لسورية في هذا السياق لا يزال قليلًا، والحكومة السورية تحاول إدارة هذا الملف وتستنفر كلّ طاقاتها من أجل تلبية حاجة الوافدين اللبنانيين ومعهم السوريون القادمون من لبنان على أمل أن تقارب الأمم المتحدة هذا الواقع من زاوية أكثر إنسانية وموضوعية.