عندما يصبح الهدوء ترفاً في الحرب، يمكن لبرامج التدخل من خلال الفنون المتنوّعة أن تبني مساحة آمنة للأطفال وأهاليهم. من هذه النافذة، تدخل جمعية «خيال» (المسرح اللبناني للدمى) التي يرأسها الكاتب والمخرج المسرحي، كريم دكروب، إلى المساحات العامة والمدارس المعتمدة كمراكز لإيواء النازحين، بمبادرة «العلاج بالفن»، لمساعدة الأطفال على «ضبط إيقاعهم، وكيفية تعزيز الوعي العاطفي الذاتي وفكرة الصمود والأمل بالمستقبل، في خطوة أولى على طريق التدخل النفسي الاجتماعي».
يشرح دكروب أن البرنامج «مبنيٌّ على أسس متدرّجة، تبدأ بتمارين جسدية وأنشطة حركية لتعزيز وعي الطفل بجسمه، وأنشطة لتفعيل الحواس، وتنشيط النفس، والتفاعل مع الآخرين ومع المساحة، وتحديد المشاعر، وتسميتها، والتعبير عنها. وفي الجلسة الثانية، يشارك الأطفال بنشاط تشكيلي يتضمن رسماً وتلويناً، مع إيحاء بالسؤال عن المكان الذي يساعدهم على الشعور بالراحة. وبعد إتمام الرسم والتلوين، يطلب الناشطون الاجتماعيون من كل طفل كتابة اسمه، وعمره، واسم المكان الذي نزح منه على الورقة ذاتها. أما الجلسة الثالثة، فهي عبارة عن عرض مسرحي تفاعلي يعتمد حبكة بسيطة، ويجمع بين السرد والتمثيل والتفاعل مع الجمهور وتحريك الدمى، ويتم من خلاله استخدام التقنيات التي استخدمت في الأنشطة الأخرى ولا سيما رسومات الأطفال، أي أن العروض بسيطة بأدوات يومية، إذ يطلب من الأطفال أن يقوموا بدور صغير يعملون عليه بهدف تعزيز التعاطي مع المشاعر، مثل الخوف والقلق والاضطراب والتعبير عنها. وتكون الجلسة الرابعة مع الأهل لمتابعة نتائج الجلسات السابقة من خلال أسئلة محددة واستمارة تقييم».
يقول دكروب إن جمعية «خيال» نسّقت مع مؤسسة reframe للأبحاث والتدريب بالصحة النفسية لتدريب متطوعين وناشطين اجتماعيين في مجالات مختلفة من الجمعيات من أجل تطبيق البرنامج في المدارس وأماكن النزوح.
وعن تفاعل الأطفال وأهاليهم مع العروض، يشير إلى «أننا نعتمد طريقة القياس في معرفة تأثير الأنشطة عليهم»، لافتاً إلى أنهم «يستقبلوننا بداية بحذر وريبة، ولكن سرعان ما يتحوّل الضجيج إلى هدوء وإلى استمتاع بالهدوء ويتأقلمون مع تمارين التهدئة الذاتية».
وأوضح دكروب أن الجمعية اختبرت التعاطي مع الحروب، ولا سيما حرب تموز والأزمة السورية وغيرها، مشيراً إلى أن الأطفال «يتعرّضون في الحرب لضغوط كبيرة ليس فقط من الوضع العام، وإنما أيضاً من المكان الذي نزحوا إليه حيث يكون هناك حرص زائد من القيّمين عليه».
ويلفت إلى أن هذه الأزمة تختلف عن الأزمات السابقة لجهة أن التمويل محلي «ولم تركض الجمعيات ببرامجها المسقطة، ما يجعل المبادرات أصدق وقريبة من الناس والوعي الجمعي (شجرة الزيتون) والهموم المحلية اللبنانية والفلسطينية»، مشيراً إلى أنه «غالباً ما تكون المبادرات التمويلية بعيدة عن ثقافتنا وبيئتنا وهموم مجتمعاتنا».
رئيس جمعية «نحن»، محمد أيوب، قال إن الدعم النفسي الاجتماعي يأتي بعد انتهاء الحرب «وما نفعله اليوم بالتنسيق مع جمعية خيال هو مساعدة الأطفال الذين تغيّر روتينهم اليومي على التعامل مع مشاعرهم من خلال المسرحيات والتدريبات، واطلاعهم على الاستراتيجيات التي يمكن أن يتّبعوها كي لا يصلوا إلى إحباط».