على مساحة 42 دونماً عند مدخل مدينة بعلبك الجنوبي، يقع مخيّم الجليل لللاجئين الفلسطينيين. المخيّم الذي بالكاد يتنفّس فيه الفلسطينيون بسبب كثافة المقيمين هناك، شرّع أبواب البيوت و«البراكسات» والملجأ الخاص فيه أمام النازحين اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين الهاربين من جحيم الحرب. ورغم المعاناة والظروف الحياتية القاسية التي يعيشها هؤلاء وغياب تقديمات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) عنهم منذ بضعة أشهر، كان صدر المخيّم رحباً أمام الوافدين إليه، إذ استقبل نحو 180 عائلة نازحة. وهو رقم كان في حسبان اللجان الشعبية التي تهيّأت - منذ بداية انخراط المقاومة في جبهة الإسناد - في ورشة عملٍ طويلة ووضعت خططاً للطوارئ «تحسباً للأسوأ»، وفق خالد عثمان، أمين سر اللجان الشعبية الفلسطينية في البقاع. وشملت الخطط التي وضعتها اللجان الجوانب الحياتية والمعيشية والطبية وحتى اللوجستية الضرورية في المخيم من توفر مياه وكهرباء (طاقة شمسية) وأدوية ومواد غذائية، وفي مقدمها الطحين والسكر.
ورغم الحماسة في التحضيرات، إلا أن هؤلاء اصطدموا بعجز الأونروا وعدم قدرتها على تأمين أي شيء لللاجئين، بحسب ما يؤكد أسامة عطواني، عضو لجنة المتابعة المركزية في اللجان الشعبية في لبنان. وبعد مراسلات وأخذ وردّ، كانت «المساعدة» الوحيدة التي استطاعت الوكالة توفيرها استحداث عدد من مراكز الإيواء على مستوى لبنان، ومنها تأمين مركز في ثانوية الجرمقي في بلدة سعدنايل، إضافة إلى تأمين بعض أدوية الأمراض المزمنة لعيادة المخيم.
استقبل المخيّم 180 عائلة نازحة من اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين
كثير من العائلات تركت مع بداية العدوان على البقاع، وتحديداً بعلبك وجوارها، المخيم نحو سعدنايل، إلا أنهم سرعان ما اكتشفوا أن «خطة الأونروا لم تكن أكثر من حبرٍ على ورق»، بحسب عثمان، إذ إن «مركز الإيواء لم يوجد فيه أي نوع من الخدمات، وحتى الأشخاص الذين يعملون فيه تابعون لجمعيات مدنية وأهلية وليسوا من الأونروا». وإذ يؤكد الأخير أن الوكالة وعدت في وقتٍ سابق باستحداث مطبخ لتأمين الوجبات للعائلات النازحة، «إلا أن هذا لم يحصل حتى اليوم، وسائر المساعدات التي تصل هي من الجمعيات ولا علاقة لها بالأونروا». كما أن العيادة التي كان يفترض أن تؤمن الأدوية المزمنة للمرضى شهرياً، تركها موظفوها مع بداية الحرب. أما بالنسبة إلى المساعدات، فيشير عثمان إلى «أننا لم نر شيئاً، ونحن في اليوم الـ 45 للحرب، وجلّ ما جرى توزيعه في المخيم 45 حصة غذائية وبعض الفرش والحرامات التي أمّنتها اليونيسف و76 حصة من المجلس النرويجي».
ولذلك، عندما اشتدّ غياب الوكالة، عاد الفلسطينيون الذين كانوا قد نزحوا إلى سعدنايل إلى مخيمهم، ولسان حالهم «خلّينا نموت ببيوتنا أشرف من الموت بذلّ في مركز الإيواء وانتظار من يحضر وجبة غذائية»، يقول عطواني. صحيح أن المخيم اليوم يقع في قلب المدينة التي تعيش «تحت القصف»، إلا أن أبناءه والنازحين معهم ما زالوا صامدين حتى اللحظة. وعندما تشتد وطأة القصف وتهديد سكان المدينة ودعوتهم إلى الإخلاء، لم يكن يجد هؤلاء أمامهم سوى الهروب نحو غرف ملجأ المخيم الذي بنته منظمة التحرير الفلسطينية عام 1978 والذي أعيد توضيبه وتنظيفه وتمديد شبكات المياه والطاقة إليه خلال فترة إعداد خطط الطوارئ. وعند الشدّة، ينقل إليه الأطفال والنساء والمسنّون والمرضى وتصل قدرته الاستيعابية إلى حوالي 300 عائلة.