نصف قرن على توقف «العرفان» (1909-1973)، المجلة الرائدة التي صاحبت العامليين في نضالهم الطويل في سبيل هويتهم الوطنية والعربية المنفتحة والمشرقة التي لا تنفصل عن نضال المشارقة الطويل في التخلّص من الاستبداد والاستعمار والتبعية والاحتلال: هي المجلة التي كان العامليون يقرؤونها في حقول التبغ وبين شتلات الزيتون، حيث الكلمة تثبّت أقدامهم في الأرض وتنير أرواحهم التوّاقة إلى العلم والأدب والثقافة والمكتبات التي تناوب الظالمون على إحراقها، من أحمد باشا الجزار والي عكا الذي نكبهم في موقعة يارون وأحرق دورهم وكتبهم ومدارسهم، وصولًا إلى الجزّار نتنياهو الذي يوجه صواريخ جيشه الوحشية على بيوتهم وتراثهم ومكتباتهم وتاريخهم الذي يسعى إلى طمسه من الوجود. لكنها الروح العاملية، التي ينيرها العرفان الممزوج بالفقه، وحب الحياة المنجدل بالشهادة، من سيرة مؤسّسها الشيخ أحمد عارف الزين (1884-1960) التي هي خير مثال على سيرة مثقف مستنير، عارف بتراث أرضه وشعبه ومبدع لمنبر تناوب عليه الأدباء والشعراء والعلماء اللبنانيون والعرب لأكثر من نصف قرن من الزمان، نستذكر «العرفان» وسيرة مؤسّسها تثبيتًا لهذا التاريخ الطويل لجبل عامل في قدّ الكلمة من الصخر وإنبات الورود من قلب الدم والدموع
التأسيس ومواعيد الظهور
كانت «العرفان» أول مجلة تصدر في جبل عامل حين أسّسها الشيخ أحمد عارف الزين في صيدا، فصدر عددها الأول في الخامس من شباط (فبراير) عام 1909 بعدما أعيد العمل في 24 تموز (يوبيو) 1908 بالدستور العثماني المعلّق، وبالتالي سمح بإعطاء الامتيازات للجرائد والمجلات. وما لبثت أن أصبحت المجلة المركزية الأولى حتى عام 1950، وقد ظلّت تصدر بانتظام حتى عام 1973. ومع أن مؤسّسها الشيخ أحمد عارف الزين لم يكن من النبطية، إلا أنه كان على صلة وثيقة بأوساط المثقفين فيها، وهم الذين أثروا المجلة بمساهماتهم المكثّفة وكتاباتهم الغزيرة طوال حياتهم. في أواخر عام 1910، استحضر الشيخ الزين مطبعة سمّاها مطبعة «العرفان»، فانتقلت طباعة المجلة إليها وظلّت العرفان تصدر في صيدا بعهدة مؤسّسها وإلى ما بعد وفاته عام 1960. اعتمدت المجلة في عامها الأول الظهور أول كل شهر هجري. أما في عامها الثاني، فأصبحت سنتها عشرة أشهر وتحتجب في شهرَي شعبان ورمضان. وفي سنتها الثالثة، صارت نصف شهرية، أما في عامها الرابع فعادت شهرية وسنتها عشرة أشهر وهي الوتيرة التي دأبت عليها حتى توقّفها عن الصدور.
الدور ودوافع الولادة
تكمن أهمية «العرفان» في ترسيمها الدقيق للذهنية السياسية لأهالي جبل عامل، في زمن حافل بالتقلبات السياسية، وكذلك في رصدها لتطور الهوية السياسية العاملية بين تاريخ ولادة المجلة (1909) وعام استقلال لبنان 1943. قدّمت «العرفان» صورة متعددة الأوجه عن الجماعة العاملية، ولعبت في الوقت ذاته دورًا مكملًا في صقل الهوية الخاصة لهذه الجماعة وتنميتها. عبر صفحات «العرفان»، داول العامليون تأريخهم المحلي، أو تاريخهم الممتد إلى خارج جبلهم، طالبين الاعتراف به وأخذه تاريخًا خاصًا. كما وفرت مساحة للحياة الفكرية والأدبية، عبر الزوايا والصفحات التي خصصتها لذلك، وبخاصة للشعر، القديم منه والحديث. وفي كل هذه الأوجه والمراحل، كانت علاقة المجلة لصيقة بالوضع السياسي القائم، عثمانيًا كان أو انتدابّيًا أو لبنانيًا، وكانت تجهد في إعادة صياغة وتوصيف لوجود هذه الجماعة، وتثبيت أقدامها في أي واقع سياسي واجتماعي وثقافي قائم. وفي المحصّلة، كانت «العرفان» بمنزلة محفّز للاندماج مع الصيغة اللبنانية الجديدة والفريدة.
وفقًا للباحثة تمارا الشلبي في كتابها «شيعة جبل عامل ونشوء الدولة العثمانية» (دار النهار ــــــ 2010) «تحدّد «العرفان» نقطة تحوّل لهيئة جبل عامل الشيعي، إذ تعلن قيامته وإعادة بنائه وفقًا لمفهوم حديث. وهي ظاهرة لم تقتصر على جبل عامل، إنما كانت جزءًا، من زخم أكبر وأشمل يعمّ الشرق العربي (ومناطق أخرى غير عربية). وتفسير الأمر عائد إلى تأثير الثورة الصناعية في الغرب، وإلى التوسع الاستعماري، وإلى الحركة الفكرية الليبرالية، إذ كانت تفعل بقوة في مصر وبيروت وجبل لبنان في القرن التاسع عشر».
ووفقًا لشلبي، تتحدد دوافع ولادة «العرفان» بعاملين اثنين: عامل محلي، وعامل ثانٍ يرتبط بأوضاع الجوار المحيط، ويتصل مباشرة بسياسة «التنظيمات» التي كانت قد برزت في أواسط القرن التاسع عشر، وبخاصة في سوريا، إذ أضفت هذه التنظيمات الصبغة المؤسساتية على التغييرات، مثل إصلاح الأراضي، وإعادة التركيبة الإدارية التي دمجت الزعامة التقليدية بالاتجاه البيروقراطي السائد، وسمحت بظهور شريحة بورجوازية من الملّاكين والوجهاء المحليين أمّنت الموارد المالية لتجربة صحافية كهذه، إذ جاء رأسمال الشيخ أحمد عارف الزين من عائلته التي أفادت من تلك الإصلاحات.
علاوة على ذلك، فقد تلقى الشيخ أحمد تعليمه في المدرسة الرسمية العثمانية الحديثة العهد، التي لم تستمر طويلًا، مع الثلاثي العاملي، أحمد رضا وسليمان ظاهر ومحمد جابر آل صفا الذين شكلوا أساس الكتابة والتحرير في «العرفان» طوال سنيّ أعمارهم. ويتحدد العامل الثاني بالنهضة، كما ظهرت وارتسمت في جبل لبنان وبيروت حيث اجتمع تدفق الرأسمال الغربي على صناعة الحرير في جبل لبنان، وحيث تطورت بيروت إلى مرفأ تجاري، له روابط واسعة ومنتشرة مع مدن متوسطية كالإسكندرية في مصر. كان للنهضة تأثيرها العميق في المجال العام، بحيث امتدت بعض مظاهرها إلى مناطق طرفية مثل جبل عامل. كان وجود جبل عامل داخل ولاية بيروت التي فصلت عن ولاية سورية بحلول عام 1887م عنصرًا مهمًا في ما يتعلق بانتشار بذور الثقافة، باعتبار أن الترسيم الجغرافي لتلك الولاية أوجد مجموعة جغرافية واحدة ما بين المركز الرئيسي، أي بيروت، وباقي مناطق هذه الولاية الممتدة. كان تطوّر المطابع في بيروت وجبل لبنان، ونتاجها الفكري باللغة العربية، عاملًا أساسيًّا في تكوين البنية الوطنية، وبالتالي كان انتشار «العرفان»، إضافة إلى الإصلاحات العثمانية، محفزًا للوعي العاملي، كما يمكن اعتبار دور «العرفان» محفزًا هو الآخر لتلك الهوية الوطنية «المستحدثة».
العهود الثلاثة
عايشت «العرفان» في حياة صاحبها ثلاثة عهود، عهد الحكم العثماني الذي صدرت فيه المجلة من عام 1909 إلى عام 1915، وعهد الانتداب الفرنسي عام 1920 إلى عام 1942، وعهد الاستقلال من عام 1945 إلى عام 1960. لم تقتصر المهمة التي أخذتها المجلة على عاتقها منذ التأسيس على إنقاذ تاريخ جبل عامل وشعبه من النسيان، وإعادته إلى الخريطة الإقليمية، بعد حملة أحمد باشا الجزار ومقتل زعيم العامليين ناصيف النصار في موقعة يارون (1780)، وإنما أيضًا ناقشت القضايا الراهنة والصعبة التي كانت تشغل بال النخب العاملية في مطلع القرن العشرين المضطرب، مثل: التعريف بالأمة وبطبيعة الحكم السياسي، والتمدن والتراث والتغريب والحداثة. تجلّت حكمة الشيخ أحمد عارف الزين بشكل لافت في فتحه لأفق للمجلة على الأقطار المجاورة وعدم حصر نطاقها بجمهور القرّاء في منطقة جبل عامل. كتب الشيخ موضحًا أن مجلته تمثل «صلة التعارف بين علماء وأدباء العراق وجبل عامل وبين علماء وأدباء سائر الأقطار، وهي تعتني عناية خاصة بشؤون الشيعة القديمة والحديثة». وبذلك يدلل الشيخ أحمد عارف الزين بهذا الإعلان على رؤيته وتحديده لنطاق «العرفان» في شبكة علمية ونخبوية مرتبطة بالجغرافيا والثقافة. كان الشيخ الزين حريصًا على تنوع الآراء والموضوعات في مجلته وعلى الترحيب بالمثقفين على تنوّع مشاربهم ومذاهبهم. مثلًا، كتب الشيخ أحمد عارف الزين عام 1911، كتاب «تاريخ صيدا»، المدينة التي كان قد اتخذها مسكنًا، ولم تكن يومذاك باعتبار الجماعة العاملية، جزءًا من جبل عامل. كما كانت «العرفان» أول مجلة تنشر النص الكامل للثورة الدستورية الإيرانية، وقد رأى المثقفون في ذلك انحيازًا إلى الدولة الفارسية، وميّزوا الإيرانيين عن العامليين.
منبر تناوب عليه الأدباء والشعراء والعلماء اللبنانيون والعرب لأكثر من نصف قرن
مع حلول الانتداب، بلغ عدد مجلدات «العرفان» 25 مجلّدًا من عام 1920 حتى 1942، وأصبحت المجلة مؤشر انخراط العامليين في دولة لبنان الكبير الجديدة، ووسيلته في آن معًا. حافظت «العرفان» طوال مرحلة الانتداب على لهجة مناهضة للفرنسيين، ومنسجمة مع الأطروحات العروبية في ذلك الوقت. وقد منعت المجلة من الصدور مرتين، في عامَي 1931 و1936، بسبب مقالات اعتبرت تحريضية ضد الفرنسيين، وبسبب أنشطة صاحبها الشيخ أحمد عارف الزين المؤيدة للوحدة السورية.
هنا يجب النظر في الموقف المعادي لفرنسا على وجهين: ما قبل عام 1936 وما بعده. قبل عام 1936، كان موقف المحررين الرئيسيين في «العرفان» قد تكرّس على أنه مؤيد للوحدة مع سوريا، مع سعي إلى إحراز حقوق متساوية للشيعة على الساحة اللبنانية عبر سياسة المطلوبية. تغير هذا الوضع بعد عام 1936، إذ أصبح الواقع اللبناني أكثر أمانًا، وأكثر تمهيدًا للطريق أمام رغبة وطنية بالاستقلال عن الانتداب الفرنسي، وكان ذلك موقف المسيحيين والمسلمين على السواء. وفي هذا السياق، كانت للمجلة مواقفها وتعبيراتها ورغباتها الصريحة الواضحة بالاستقلال. وفي ما خص المطاليب والعرائض العديدة الوافرة التي نشرت في «العرفان» في العشرينيات والثلاثينيات، وكانت موجهة إلى المفوض السامي الفرنسي، مطالبة بحقوق أشمل للجماعة العاملية، ومعبّرة عن دعم للقضية السورية، فهي تشكل دلائل قوية على اهتمام المجلة ببناء الهوية الوطنية في لبنان. وباختصار، يمكن النظر إلى تأكيدات المجلة على خطها العروبي، كجزء من مرجع ثقافي وإقليمي قائم فعلًا، ومنسجم مع منشورات أخرى عربية ومسلمة ومشرقية.
هوية شيعية منفتحة
في بيان عن أهداف المجلة، نُشر عام 1935، تحت عنوان «العام الجديد فأين العهد السعيد»، وضعت «العرفان» قائمة بستة مبادئ، كناية عن موجز أو دليل لنهجها، العنوان وحده، يوحي بعدم الرضا عن الستاتيكو القائم في حينها، أي عن لبنان الكبير، وقد جاءت المبادئ كما يأتي:
«(1) خدمة القضية العربية خدمة خالصة. (2) السعي إلى خدمة الشرقيين عامة والمسلمين خاصة. (3) نشر الثقافة والحث على النهضة والعلم. (4) تنشيط الأدباء والشعراء والكتاب. (5) العناية الخاصة في شؤون الشيعة. (6) حث العامليين على مباراة الأمم الحية.»
منذ صدور العدد الأول من «العرفان»، كان الهاجس المركزي للمجلة واضحًا في رسم دوائر مفتوحة لعلاقة الجماعة الشيعية العاملية حديثة العهد بوعيها السياسي والمنتفضة على تهميشها السياسي لعقود طويلة، بالجماعات الأخرى. تضمّن العدد الأول مقالات عن المذهب الشيعي، كما نشر نص الدستور الإيراني الجديد مترجمًا، وكانت هنالك مقالة عن الشيعة ومعتقداتهم منذ فجر الإسلام، وأخرى عن الشخصية العاملية، وعن الشهيد الأول محمد بن مكي الجزيني، وأيضًا مقالة عن كربلاء. علاوة على ذلك، فإن الاهتمام بكتابة التاريخ الشيعي، والعاملي بالتحديد عام 1910، مع مقالات أحمد رضا («ما هي الأمة» و«المتاولة أو الشيعة في جبل عامل») جميعها إشارات جريئة على موقف المجلة. لقد حددت تلك المقالات بدء النقاش العلني حول الهوية المحلية. كما أرست القواعد لتاريخ عاملي عربي شيعي، يمتد بعد عام 1920، على أرضية مشتركة مع تاريخ الجماعات الأخرى في دولة لبنان الكبير.
أظهرت مقالات «العرفان» لقرائها في الدائرة العاملية الأقرب والمدى العربي الأوسع، العلاقات والصلات بين أهل جبل عامل، وبين عالم خارجي اعتبرته المجلة مجالًا حيويًا ومؤثرًا في هيئة الجماعة العاملية وموقعها، وبما يسمح بتشكيل نوع من التوازن مع عالم إسلامي عثماني في حينها بكل تشكيلاته ولا سيما العربية. نجحت «العرفان» في تثبيت نفسها، ومن خلال استمراريتها كمنبر للتبادل الفكري، ما بين البارزين من علماء الدين العامليين ومن مثقفيهم، الذين أسهموا جميعهم في إغناء المجلة، واستطاعت «العرفان» في مرحلة مبكرة أن تجذب جمهورًا من قرائها من باب وطني غير ديني. على سبيل المثال، نُشرت فيها سلسلة مقالات عن شعراء سوريين وعن مدن بلاد الشام. وبهذه الوسيلة، بسطت المجلة انتشارها بالحوار، وبالترويج - الذاتي لجماعات وطوائف ومناطق متعددة، محدثة لها صلة مع العامليين، وراعية بذلك لخصوصية لبنانية جنوبية.
من الأمور الأخرى المعبرة، أنّ مطبعة «العرفان» نشرت أيضًا، كتبًا ومجلات لمؤلفين جنوبيين من غير الشيعة، إضافة إلى عدد من المقالات بأقلام أكاديميين ومسيحيين ينتسبون إلى جامعات مثل الجامعة الأميركية في بيروت. وفي عام 1913، نشرت «العرفان» مقالة تحت عنوان: «لمحة عن نظرية النسبية لأينشتاين»، وقّعها عدد من المفكرين العرب وآخرين من أساتذة الجامعة الأميركية في بيروت، من بينهم منصور جرداق (أستاذ الرياضيات في الجامعة من مرجعيون)، وفؤاد جرداق وسلمى صايغ وجبر ضومط وأمين الريحاني ومعروف الرصافي والأب أنسطاس الكرملي. وفي المفهوم اللبناني، كانت أبواب المجلة للمؤلفين والكتاب العامليين منصة رائدة. فقد شكلت أول إطلالة علنية لهم، مع تنوع محتويات المجلة وانتشارها الجغرافي، وهذا ما حدد للعامليين والجنوبيين مناخًا صحافيًا سمح لهم بالتمدد إلى الساحة الوطنية اللبنانية. فقد أمّ/نت «العرفان» نقطة الانطلاق الأولى لشخصيات مثل محمد علي الحوماني (الذي أسس لاحقًا مجلته الخاصة العروبة)، وعبد الحسين العبد الله، وموسى الزين شرارة، والشاعر عبد الرؤوف الأمين (فتى الجبل)، الذي أصبح أول مفتش تربوي من جبل عامل وكامل مروة، الذي أسس جريدة الحياة عام 1946، وأصبح شخصية صحافية بارزة في لبنان والعالم العربي، بالإضافة إلى عدد من الشعراء المناهضين للفرنسيين والنقاد الاجتماعيين-السياسيين، ممّن تخطت شهرتهم الجنوب.
في أقسام المجلة التي توزعت على أبواب أربعة هي على التوالي القسم العلمي، والقسم الأدبي، والقسم الأخلاقي والقسم الاجتماعي كتبت أقلام عربية بارزة مثل عيسى الناعوري (الأردن)، وأحمد الصافي النجفي ومحمد رضا الشبيبي ومحمد مهدي الجواهري وجعفر الخليلي وأنسطاس الكرملي (العراق) وفارس الخوري وزهير المارديني ومحمد كردعلي وعبد الرحمن الشهبندر (سوريا)، ومحمود تيمور وحافظ إبراهيم وأحمد شوقي وعباس محمود العقاد (مصر) ومن المهجر وبلاد الاغتراب إيليا أبو ماضي وخليل مطران وجورج صيدح ورشيد سليم الخوري (الشاعر القروي)، وكانت للنساء حصة وازنة للكتابة في «العرفان» مثل زينب فواز وفدوى طوقان ونازك الملائكة وإدفيك شيبوب ولميعة عباس عمارة ووداد سكاكيني وليلى بعلبكي وزهرة الحر وماري حداد وحبيبة يكن.
المراجع:
- رغدة نحاس الزين ـــ «أحمد عارف الزين، رائد إصلاحي من جبل عامل» ـــ دار المشرق ـــ 2014
- تمارا الجلبي ـــ «شيعة جبل عامل ونشوء الدولة اللبنانية» ـــ دار النهار ـــ 2010
سيرة المؤسس بلسان حفيدته رغدة الزين
ولد أحمد عارف الزين عام 1884 في شحور وفيها كانت نشأته الأولى، وتلقى علومه في أحد الكتاتيب نظرًا إلى عدم وجود مدرسة في قريته آنذاك. فختم القرآن وهو في السابعة من عمره، ثم تردّد في صيدا على المدرسة الرشيدية الرسمية، ثم انتقل إلى مدرسة النبطية الدينية المسماة «المدرسة الحميدية» التي أنشأها السيد يوسف الحسيني فدرس النحو والصرف والمنطق على أعلامها الكبار ومنهم الشيخ أحمد رضا والشيخ سليمان ظاهر. كما درس أبوابًا من الفقه على يد العلامة عبد الحسين شرف الدين. وفي عام 1904 عاد إلى صيدا حيث درس مع العلّامتين محي الدين عسيران ومنير عسيران، كما تلقى دروسًا بالفرنسية من أستاذ خاص هو توما أفندي كيال، ناهيك بدروس في اللغة الإنكليزية على يد الدكتور شريف عسيران، كما كان ملمًا باللغتين الفارسية والتركية. بدأ الزّين حياته الصحافية في سنّ مبكرة، بمراسلة الصحف البيروتية: «ثمرات الفنون»، و«الاتحاد العثماني»...
وكان وكيلًا ومراسلًا معتمدًا في صيدا لصحيفة «حديقة الأخبار». في شباط (فبراير) عام 1909، أصدر العدد الأوّل من مجلة «العرفان» في صيدا، وطبعها في بيروت في سنتَيها الأولى والثانية. وفي أواخر عام 1911، أنشأ الزّين جريدة أسبوعية دعاها «جريدة جبل عامل»، دامت سنة واحدة، وفي العام التالي، أسّس جمعية «نشر العلم» في صيدا بالاشتراك مع بعض سراة صيدا وأعيانها. شارك الشّيخ الزّين في استقبال الأمير فيصل العائد من فرنسا، بعدما مثّل والده في مؤتمر السّلم الذي عُقد في قصر فرساي في كانون الثاني (يناير) 1919، وطالب باستقلال البلاد العربية، إذ كان في عداد الوفد العاملي الذي رحب به في بيروت، ثمّ صحبه مع باقي الوفود إلى دمشق.
كان الزّين في عداد الوفد العامليّ الذي اجتمع في دار بلدية صيدا في لجنة «كراين» الأميركيّة التي جاءت في حزيران (يونيو) 1919، وطافت سوريا ولبنان وفلسطين تستطلع الآراء حول صيغة الحكم في البلاد. أكّد الوفد العاملي رفض الانتداب الفرنسي والتمسك بالوحدة السورية. بعد إعلان «دولة لبنان الكبير» عام 1920، شارك الزّين في المؤتمر الوطني الذي عُقد في بيروت تكريسًا لرفضه هذا الواقع الجديد. واعتقل في عام 1925 على أيدي سلطات الانتداب بسبب مناصرته الثورة السورية، ولكنّه لم يلبث طويلًا فأُفرج عنه. واختير الشيخ الزّين في عام 1932 رئيس شرف لجمعية «الحلف العربي» التي تأسّست في الأرجنتين، كما اختير عضو شرف في «الجمعية الخيرية للشبيبة الإسلامية العامليّة» في باريس والأرجنتين.
حضر مؤتمر الساحل (1936) الذي عُقد في بيروت، في منزل سليم علي سلام، للبحث في مشروع المعاهدة الفرنسية اللبنانية ورفض المجتمعون الانتداب وطالبوا بالوحدة السورية. وفي أيار (مايو) 1936، أُعلن في فلسطين إضراب فلسطينيّ عامّ سقط أثناءَه عدد كبير من الشّهداء، فتألّفت في صيدا لجنة لمساعدة المجاهدين سميت «لجنة الدفاع عن فلسطين». انتُخب الشّيخ أحمد عارف رئيسًا لها، فعمدت إلى تشكيل لجان فرعية لجمع التبرّعات، ومراقبة الطرقات لمنع تسرّب المواد الغذائية إلى الصهاينة. كما اعتقل في السنة ذاتها مرتين لمهاجمته في خطبة له المستشار الفرنسي بيشكوف في خطبة له في صور ثم أفرج عنه، ومرة ثانية إثر تظاهرة إلى سراي صيدا الحكومية كانت تهتف بالوحدة السورية نقل على إثرها إلى سجن الرمل. حضر الشيخ الزين مؤتمرات عالمية عدة مثل مؤتمر «السلم لشعوب العالم» (1952) ومؤتمر «مجلس السلم العالمي في بودابست» (1953) ووافته المنية في مقام الإمام علي الرضا في مشهد في 4 تشرين الأول (أكتوبر) 1960 تاركًا إضافة إلى نتاجه الصحافي مجموعة كبيرة من المؤلفات الأدبية مثل «تاريخ صيدا» (1911)، و«مختصر تاريخ الشيعة» (1914)، و«قصة الحب الشريف» (1923) وهي رواية غرامية أخلاقية. كما حقق كتبًا عدة مثل «الوساطة بين المتنبي وخصومه» للقاضي الجرجاني (1913) و«مجمع البيان في تفسير القرآن للطبرسي» (1915-1937). أما الكتب التي طبعها الزين ونشرها مع آخرين، فهي «سحر بابل وسجع البلابل» (تعليقات وشروح ديوان السيد جعفر الحلي)، و «الشيعة وفنون الإسلام» (شروحات على مؤلف السيد حسين الصدر الذي يضم عددًا كبيرًا من تراجم علماء الشيعة مع ذكر مؤلفاتهم وأخبارهم) وغيرها.