صدم سقوط بشار الأسد في سورية المؤسسات الإعلامية في البلاد، وتحديدًا تلك الرسمية التي لم تكن جاهزة لمثل هذا التحول، إذ تمسكت بالخطاب الذي ظل النظام يكرره عن سيطرته على ما يحصل. ولعل اللقطة التي جمعت مذيعة التلفزيون الرسمي مع ضيوف يناقشون الوضع القائم بهذه الروحية، حين اقتحم مسلحو المعارضة المبنى، تبين انفصال الإعلام عن الواقع السوري.
هذا؛ فيما غاب البث عن التلفزيون، ظهرت بعد ساعات صورة ثابتة على شاشة الفضائية السورية كتب عليها: "انتصار الثورة السورية العظيمة، وإسقاط نظام الأسد المجرم"، ثم أعقب ذلك ظهور مجموعة من الأشخاص على شاشة التلفزيون يمثلون المعارضة السورية وهم يتلون بيانًا يعلنون فيه سقوط النظام، وبدء حقبة جديدة في سورية. وبعد ذلك، فتحت أبواب التلفزيون كما يبدو لعموم الناس، حيث التقط العديد من الأشخاص صورًا ولقطات مصورة داخل مكاتب التلفزيون، منهم ناشطون من "تجمع أحرار حوران" الذي يغطي أخبار المنطقة الجنوبية.
ما تزال معظم المحطات التلفزيونية الرسمية، وهي "الفضائية السورية" و"الإخبارية السورية" و"التربوية السورية" و"نور الشام"، التي تبث من المبنى نفسه في ساحة الأمويين في دمشق، مغلقة، وكذلك قناة سما الفضائية الخاصة التي يملكها رجل الأعمال المقرب من النظام محمد حمشو، وتقع مكاتبها على طريق مطار دمشق الدولي. إذ بينت مقاطع بثت على منصات التواصل وصورت من مكاتبها بعض الأشخاص في حالة هرج ومرج ويتحدثون عن المعتقلين المفرج عنهم من سجون النظام.
غير أن "الفضائية السورية" قطعت هذا الصمت، بكلمة تلاها أحد المذيعين بشر فيها بنهاية عهد الطغيان وإشراق شمس الحرية، ودعا العاملين في التلفزيون إلى الالتحاق بعملهم، قبل تعليقها البث مجددًا. كما بث مراسل تلفزيون "الجزيرة مباشر" تقريرًا من داخل أروقة التلفزيون الرسمي السوري، التقى خلاله بعض العاملين هناك الذين دعوا زملاءهم للعودة إلى العمل. والمحطة الوحيدة التي ما تزال تبث من دون انقطاع هي "لنا" الفضائية التي تتخذ من لبنان مقرًا لها، وهي محطة منوعات، ولكن لوحظ أنها باتت تضع شعارات مؤيدة للتغيير السياسي في سورية.
أما الصحف المكتوبة، والتي تحول معظمها إلى صحف إلكترونية خلال السنوات الماضية بداعي التقشف، فقد توقفت محتوياتها عند لحظة ما قبل سقوط النظام، فيما كتب رئيس تحرير صحيفة الوطن المقربة من النظام وضاح عبد ربه على حسابها في "فيسبوك": "نحن أمام صفحة جديدة لسورية. نحمد الله على عدم إراقة مزيد من الدماء. أعتقد وأصدّق أن سورية ستكون لكل السوريين. الإعلام السوري والإعلاميون لا ذنب لهم. كانوا وكنا معهم ننفذ التعليمات فقط وننشر الأخبار التي يرسلونها لنا وسرعان ما تبينت الآن أنها كاذبة". كما نقلت الصحيفة عن وزارة الإعلام مناشدتها للإعلاميين الالتحاق بعملهم خلال اليومين القادمين "لمعاودة وسائل الإعلام المختلفة بثها وإصدارها توثيقًا لمرحلة مصيرية في تاريخ سورية التي نحب ونقدس، وكلنا أمل أن تحمل الأيام القادمة كل بشائر الخير والفرح لشعبنا الصابر". وتابع موقع الصحيفة نشر الأخبار بروحية المرحلة الجديدة، ناقلًا مناشدات الوزارات المختلفة للعاملين فيها العودة إلى عملهم، إضافة الى التعاميم التي تصدرها "إدارة العمليات العسكرية" التابعة للمعارضة.
كما كتب رئيس تحرير صحيفة "الثورة" السورية أحمد حمادة في حسابه عبر "فيسبوك": "من صحيفة الثورة الرسمية التي أرأس تحريرها، وهي ملك الوطن لا النظام وملك الدولة لا الأشخاص، سنباشر العمل والبنيان ولنكن مهنيين وحرفيين وصحافيين حقيقيين. لنبدأ من هذا الفجر، ونذيع البيان رقم واحد من صحيفة الثورة الرسمية، ونذيع كلمة السيد رئيس الوزراء والسادة الذين سيشكلون قيادات البلد، ونشد على برامج كل من يحفظ سوريتنا، ولنتابع كل ما يمس الوطن والمواطن هلموا معي زملائي".
قال حمادة إنه مع بدء انتشار أخبار حول فرار الأسد من البلاد، غاب معظم الإعلاميين عن المشهد، لكنه بدأ بنشر بيانات المعارضة من منزله. وأشار إلى أن "معظم الإعلاميين الموالين للنظام، أو بالأحرى المنتمون طائفيًا للنظام، لم يلتحقوا بالعمل. بعضهم غادر دمشق، وآخرون نقلوا عائلاتهم الى الساحل السوري وبقوا هم في بيوتهم في دمشق". ولم ترد إلى الآن أي معلومات بشأن تعرض أي من العاملين في الإعلام لأي مساءلة من جانب مقاتلي المعارضة.