زحفت القنوات الخليجية والعربية نحو سوريا لتغطية الأحداث السياسية هناك إبّان سقوط نظام بشار الاسد. وركزت الشاشات كاميراتها في ساحة الأمويين في قلب العاصمة، ووزعت مراسليها على المدن كافة، لتضع القنوات عنوانًا عريضًا للمرحلة الحالية، وهو السباق على الخبر السوري، بينما بات الحديث عن الإبادة في غزة يحتلّ أسفل شريط الأخبار.
صحيح أن السباق بين الشاشات يقوم على جذب أكبر عدد من المتابعين لتحطيم أرقام المشاهدة افتراضيًا عبر البثّ المباشر، لكن سقوط الأسد كان بمثابة فرصة لبعض القنوات لاستعادة بريقها في دمشق، بعدما تركت الساحة إبان «الثورة» السورية قبل أكثر من 13 عامًا.
في هذا السياق، عجّت المدن السورية بعشرات الصحافيين من مختلف الجنسيات العربية والأجنبية، الذين خرجوا برسائل مباشرة من المدن والساحات التي دخلوها للمرة الأولى منذ سنوات. ولفتت المعلومات لنا إلى أنّ غالبية الصحافيين اللبنانيين دخلوا قبل يومين إلى سوريا عبر «معبر المصنع»، مشيرة إلى أنّ حالة من الفوضى تعمّ المعابر والأراضي السورية. أمر يشكل خطرًا على حياة الصحافيين بسبب غياب الهيئات التي تنظم عمل الصحافيين. وتشير المصادر إلى أن مجموعة من المراسلين اكتفت بدخول سوريا وتصوير ريبورتاجات هناك ثم العودة إلى لبنان ليلًا خوفًا على حياتها، بينما دخلت بعض المحطات وتمركزت في دمشق لنقل الأحداث في المدة القريبة. لكنّ اللافت أن تلك القنوات لم تفتتح مكتبًا رسميًا لها في دمشق، بل اكتفت بالعمل هناك لتغطية الأحداث الحالية، على أن تقوم بتلك الخطوة ريثما تتضح معالم المرحلة المقبلة.
على الضفة نفسها، رغم الضجة الإعلامية التي حظيت بها الأحداث السورية، إلا أن التطورات السياسية هناك شكلت حدثًا مفصليًا بالنسبة إلى قناة «الجزيرة» القطرية. فقد احتفلت الشاشة التي تأسست عام 1996، بعودتها إلى دمشق بعد غياب 13 عامًا. تحت عنوان ««الجزيرة» تعود إلى دمشق بعد ثمن غال دفعته بسبب تغطيتها للثورة»، نشرت المحطة مقالًا مفصلًا على موقعها الإلكتروني، مستعيدة فيه المرحلة السابقة من تغطيتها لـ«الثورة» السورية، معلنةً عن رجوعها رسميًا إلى دمشق.
وفنّدت القناة في مقالها، أسباب غيابها عن سوريا ورجوعها إليها مجددًا، مستعرضة سيرة الصحافيين الشهداء الذين قتلوا أثناء تغطيتهم الحرب في سوريا، والذين فاق عددهم عشرة صحافيين موزعين بين مراسلين ومصوّرين وتقنيين. وتكشف المعلومات لنا أن «الجزيرة» قررت إرسال فريق صحافي إضافي إلى دمشق لتوزيعه على المناطق، على أن تعلن المحطة عن إعادة افتتاح مكتبها هناك في المدة القريبة.
هكذا، مثّل سقوط الاسد «الفرصة الذهبية» لـ«الجزيرة» لاستعادة جمهورها السوري الذي خسرته إبان «الثورة»، وقسّمت شاشتها إلى أكثر من ثماني كاميرات موزعة على مختلف المدن وعنونت تغطياتها بـ «سوريا ما بعد الأسد». ورافقت تحرير السجناء من معتقل صيدنايا، وتوقفت عند فرح السوريين في الشوارع بعد سقوط النظام وتصدّرت تصريحات أحمد الشرع/ الجولاني عناوين الشاشة القطرية.
في السياق نفسه، شهد سقوط النظام عودة الإعلام اللبناني الذي غاب سنوات عن الحضور في دمشق. فقد أطلّت نوال بري مراسلة قناة mtv في تقرير من ساحة الأمويين في سوريا، معربةً عن سعادتها بـ«الحرية» وتغطية المرحلة المقبلة هناك. وأتى دخول القناة التي يديرها ميشال المر، بعد ليلة صاخبة بالاحتفالات خصّصتها المحطة في نشرة أخبارها المسائية. كما عرضت حلقة خاصة من برنامج «صار الوقت» الذي يقدمه مارسيل غانم، احتفالًا بسقوط الأسد. كذلك، أطلّت زهراء فردون مراسلة قناة «الجديد» إلى سوريا، بتقارير مباشرة من مبنى «التلفزيون السوري» لتعاين الوضع هناك.
من جانبها، دخلت شبكة «العربية - الحدث» دمشق وفتحت هواءها للتغطية على الحدود السورية اللبنانية لتعلن «عن عودة كبيرة من عناصر «حزب الله» إلى لبنان عبر منفذ الهرمل الحدودي» على حد تعبيرها. كما خصصت القناة فريقًا إعلاميًا من داخل سوريا خرج طوال ساعات النهار برسائل من دمشق. وكانت لهجة «العربية» قد تبدّلت في الأشهر الأخيرة إبان التقارب السياسي السعودي السوري، ولكن مع سقوط النظام عادت الشبكة للتهليل للمعارضة. كذلك الحال بالنسبة إلى قناة TRT التركية الناطقة بالعربية التي دخلت المدن السورية بعدما كانت تكتفي بتغطية أحداث مناطق الشمال السوري التي تقع ضمن النفوذ التركي.
في المقابل، شهدت الساحة السورية تواجد عشرات الصحافيين الأجانب من مختلف الجنسيات والمؤسسات الإعلامية تصدرتها شبكة CNN الأميركية التي أعادت خلط الأوراق وتولّت تسويق النسخة الجديدة من الجولاني في مقابلتها الشهيرة.