بالتزامن مع استمرار حالات الفوضى والانفلات الأمني، بدأت تظهر في سوريا بعض السلوكيات المتطرفة، سواء عبر نشر كتيبات دينية تدعو النساء إلى ارتداء «الحجاب الشرعي» بدلاً ممّا سمّي بـ«الحجاب المزيف»، أو تعرض بعض الكنائس والمزارات الدينية لعمليات تخريب في عدد من المناطق (حماة وحمص)، أو حتى تصريحات مسؤولي «هيئة تحرير الشام»، والتي باتت تمثل السلطة في سوريا، حول وضع المرأة، وتقييد جانب من الحريات. وعلى خلفية ذلك، تشهد الساحة السورية بداية تحرك لرفض تلك السلوكيات، التي تبررها «الهيئة» بأنها «حالات فردية».
وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي عشرات الدعوات من قبل ناشطين لعقد اجتماعات موسّعة، وتنفيذ اعتصامات في بعض الساحات، أبرزها في ساحة الأمويين التي من المفترض أن يجتمع فيها مئات السوريين، اليوم، لمناقشة الحراك المدني والشعبي وأهميته في المرحلة القادمة في سوريا. كذلك، برزت محاولات لحشد المجتمع المدني للخروج في تظاهرات رافضة لعملية التحكم المطلق التي تمارسها السلطات الحالية، والتي من المفترض أنها لا تملك صلاحيات تخوّلها هذا التحكم الذي يرسم مستقبلاً غير مشرق للبلاد، وهو ما لا يسرّ السوريين الذين عبّروا طيلة الأيام الماضية عن سعادتهم بسقوط النظام السابق وآلياته القمعية.
وفي السياق نفسه، ظهرت دعوات نسائية عديدة لتنفيذ اعتصامات في بعض الساحات العامة، وتنظيم قوائم اعتراض على محاولة استبعاد المرأة من المشهد السياسي، أو تقييد حريتها. وجاء ذلك بعد أن أطلق المتحدث الرسمي باسم «الإدارة السياسية التابعة لإدارة العمليات العسكرية في سوريا»، عبيدة أرناؤوط، تصريحات جندرية مثيرة للجدل، وهو ما قوبل بدعوات إلى التظاهر من قبل المجتمع المدني السوري، الذي عبّر عن قلقه من محاولة «أسلمة» البلاد التي تدار من قبل جماعة ذات تاريخ متشدد. وفي السياق نفسه، شهدت حمص خروج تظاهرة رفع المشاركون فيها لافتات داعمة للمرأة وحقوقها، كما شهدت طرطوس خروج تظاهرة أخرى طالبت بضبط الأمن بعد حصول سرقات وأعمال سطو مسلح.
وإلى جانب تلك الدعوات، بدأت أصوات السوريين تعلو مطالبة بالسماح لوسائل الإعلام بالعودة إلى العمل، في ظل التقييد المستمر من قبل «الحكومة المؤقتة» التي شكّلتها «إدارة العمليات العسكرية» بقيادة أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، والذي توقفت بموجبه غالبية وسائل الإعلام المسموعة والمطبوعة عن العمل، في وقت فُتحت فيه الأراضي السورية لنشاط وسائل الإعلام العربية والعالمية، في مشهد سوريالي، زاد من حدة «الفوضى» جراء عدم وجود مصادر واضحة وموثوقة لاستقاء المعلومات المتعلقة بحياة السوريين اليومية. وأفسح هذا الأمر المجال لانتشار الشائعات بشكل غير مسبوق، وسط اتهامات لأطراف ثالثة بمحاولة خلق الفتنة، أو التستر وراء حجة «السلوكيات الفردية».
وبالتوازي مع ذلك، بدأت تطفو على السطح إشكالات تتعلق بالحياة المعيشية، في ظل تأخير الرواتب التي وعدت «الحكومة المؤقتة» بزيادتها أربعة أضعاف، ما تسبب بفقدان قسم كبير من السوريين مصادر دخلهم هذا الشهر. والجدير ذكره، هنا، أن نسبة وازنة من الموظفين في المجتمع السوري تعمل في الدوائر الحكومية، جراء سياسة التوظيف المستمر التي كانت تنتهجها الحكومات السابقة. وفي المقابل، أعلنت مؤسسة الطيران السورية إطلاق أول رحلة جوية من مطار دمشق إلى مطار حلب، في خطوة تهدف إلى إعادة تشغيل المطارين اللذين توقفا نحو 10 أيام، في وقت بدأت تعبر فيه الطائرات المدنية أجواء البلاد بعد إعلان فتحها.
سياسيًا، دعا المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسن، بعد زيارة إلى دمشق استمرت أربعة أيام، والتقى خلالها زعيم «هيئة تحرير الشام»، الجولاني، إلى تنظيم انتخابات «حرة وعادلة» مع انتهاء المرحلة المؤقتة التي ستستمر حتى مطلع آذار المقبل. وأعرب عن أمانيه في أن يتم التوصل إلى حل سياسي ينهي الأزمة القائمة حالياً مع «الإدارة الذاتية» الكردية. وعلى الرغم من وجود خلافات حول بعض بنود قرار مجلس الأمن 2254، والتي طالب الشرع بإعادة النظر فيها، رأى بيدرسن أن ما يجري يتوافق مع القرار الأممي. وقال: «نرى بداية جديدة لسوريا التي ستتبنّى دستوراً جديداً يكون بمثابة عقد اجتماعي جديد لجميع السوريين، بما يتوافق مع قرار مجلس الأمن 2254». وتابع: «سنشهد انتخابات حرة ونزيهة عندما يحين ذلك الوقت، بعد الفترة الانتقالية». وإذ أشاد بما اعتبره «حالة استقرار تشهدها دمشق»، فهو ركّز بشكل كبير على مسألة المساعدات الإنسانية وضرورة استمرار تدفقها، قائلاً: «نحتاج إلى مساعدة إنسانية فورية، لكننا يجب أن نتأكد أيضاً من أنه يمكن إعادة بناء سوريا، وأن نشهد تعافياً اقتصادياً، ونأمل أن نرى بداية عملية تنهي العقوبات».