أوراق إعلامية

8 أسئلة أساسية عن "شركة NSO الإسرائيلية" في استغلال مواقع االتواصل الاجتماعي

post-img

أصدرت قاضية أميركية حكمًا لصالح منصة واتساب التابعة لشركة ميتا، في الدعوى القضائية التي تتهم شركة البرمجة والهايتك الإسرائيلية "إن إس أو" باستغلال ثغرة لتثبيت برنامج "بيغاسوس" الذي سمح بالتجسس على نحو 1400 شخص، بينهم صحافيون وناشطون في مجال حقوق الإنسان ومعارضون، وذلك على مدار أسبوعين في مايو/أيار 2019.

1. لماذا رفعت الدعوى في كاليفورنيا؟

رفعت شركة ميتا، مالكة "واتساب"، الدعوى أمام محكمة في كالفورنيا، بما أن خوادم تطبيق واتساب موجودة هناك، ما أتاح إمكانية مقاضاة الشركة في هذة الولاية. وبحسب المحامي والباحث القانوني علاء محاجنة، حاولت الشركة الإسرائيلية شطب الدعوى من دون النظر فيها، مدعية أنها تعمل لحساب دول، وبذلك هي تتمتع بحصانة سيادية مشتقة من حصانة هذة الدول.

يشرح محاجنة كيف حاولت الحكومة الإسرائيلية إجهاض هذه القضية ومساعدة الشركة في التملص من القضاء كما كشفت صحيفة (ذا غادريان) البريطانية في تقريرها الصادر في شهر يونيو/ حزيران الماضي، وكيف صادرت الحكومة الإسرائيلية الخوادم الخاصة بالشركة بهدف منع كشف المستندات الرقمية والتكنولوجيا المرتبطة بعمل الشركة، وهي مواد أساسية ووثائق أمرت المحكمة بالكشف عنها.

كما جاءت مصادرة الخوادم بهدف تعطيل وتشويش عمل المحكمة. وعندما رفضت الشركة كشف المستندات والوثائق المتعلقة بعمل الشركة، قررت القاضية في كاليفورنيا البت في الأمر بناء على الأدلة الموجودة في الملف، ووصلت إلى نتيجة مفادها أن الشركة خرقت القانون الفيدرالي وقانون الولاية (كالفورنيا) المتعلق بالاحتيال وإساءة استخدام الحواسيب، واستنتجت أن الشركة ضالعة في عملية التجسس.

ووفق ما أفاد به د. مازن المصري، وهو من أفراد الطاقم القانوني الذي يترافع ضد الشركة أمام المحاكم الإسرائيلية، فإن هذا يؤكد صحة الادعاء بخصوص دور الشركة، بضلوعها في عمليات التجسس بعد بيع التقنية لهذة الدول، إذ لا تنتهي مسؤوليتها ببيع التقنية "بل تواصل NSO تعاونها مع الأنظمة المستفيدة من برمجية التجسس، فتؤمّن لها ملفات وتحديثات ودعمًا تقنيًا للتجسس على الأفراد المستهدفين".

2. ما هي تفاصيل الحكم الصادر؟

وفقًا لقرار المحكمة، وافقت القاضية فيليس هاميلتون على طلب "واتساب" الحصول على حكم موجز (من دون سماع أدلة كاملة)، ووجدت أن الشركة الإسرائيلية انتهكت قوانين القرصنة الفيدرالية والولائية في الولايات المتحدة بالإضافة إلى شروط خدمة "واتساب" الخاصة.

وقالت القاضية في حكمها إنّ الشركة الإسرائيلية فشلت مرارًا وتكرارًا في الامتثال لطلباتها بتزويد "واتساب" بالشيفرة المصدرية لبرنامج التجسّس الخاص بها في أوائل عام 2024. ولفتت إلى أن هذا هو السبب الرئيسي وراء موافقتها على طلب "واتساب" فرض عقوبات على "إن إس أو".

تعليقًا على الحكم، أصدرت "واتساب" بيانًا جاء فيه: "بعد خمس سنوات من التقاضي، نحن ممتنون لقرار اليوم. لم يعد بإمكان إن إس أو تجنب المساءلة عن هجماتها غير القانونية على واتساب والصحافيين وناشطي حقوق الإنسان والمجتمع المدني". وأضافت: "بهذا الحكم، يجب أن تكون شركات برامج التجسس على علم بأن أفعالها غير القانونية لن ُيتسامح معها". وأعلنت "واتساب" انتصارها القانوني على مطورة برمجية "بيغاسوس" للتجسس في وقت متأخر من يوم الجمعة بالتوقيت المحلي.

3. ما هي الخطوة اللاحقة؟

ستواجه شركة "إن إس أو" الإسرائيلية محاكمة أمام هيئة محلفين منفصلة في مارس/آذار 2025، لتحديد قيمة التعويضات مقابل الأضرار  لشركة "واتساب"، خدمة المراسلة الأكثر شعبية في العالم. يشرح د. مازن مصري أنه نظريًا، بإمكان الشركة استئناف القرار، "لكن قضية تحميلها المسؤولية عن دفع التعويضات نتيجة الأضرار باتت خلفنا، نحن بصدد مرحلة جديدة لتحديد قيمة التعويضات. في قضايا من هذا النوع أمام هيئة محلفين، قد تصل قيمة التعويضات العقابية إلى أضعاف الأضرار الفعلية، وقد تصل إلى مئات الملايين من الدولارات، الأمر الذي قد ينهي حياة هذه الشركة من الناحية الاقتصادية، إذ إنّ الفضائح المتلاحقة منذ 2018 أضرّت بسمعة الشركة، وأدت إلى الحذر في التعامل معها، ولعلّ أبرز تجليات ذلك كانت بإدراجها عام 2021 على اللائحة السوداء للاتجار الخاصة بوزارة الخزينة الأميركية، التي تمنع التعامل الأميركي مع أي شركة على اللائحة من دون إذن مسبق من الوزارة".

4. كيف بدأت القضية؟

في عام 2018، تقدم المحاميان علاء محاجنة ومحاضر القانون في جامعة لندن الدكتور مازن المصري بدعوتين قضائيتين أمام المحاكم الإسرائيلية، مرتبطتين ببرمجية بيغاسوس التي طورتها شركة NSO. القضية الأولى اتهمت الشركة الإسرائيلية باختراق هواف ستة ناشطين حقوقيين ومحامين وصحافيين في المسكيك، كانوا يتابعون قضية اختفاء 43 طالبًا معارضًا للحكومة. في حينه، تعاقدت الحكومة المكسيكية مع شركة "إن إس أو" لاختراق هواتف الناشطين الذين يتابعون قضية اختفاء الطلاب، "واللافت أن من رتب الاتفاقية بين الطرفين هو مسكيكي هارب من العدالة في المكسيك ومختبئ  حاليًا في إسرائيل، وترفض هذه الأخيرة إعادته إلى بلاده، رغم مطالبة الحكومة المسكيكية بذلك" يشرح محاجنة.

القضية الثانية كانت عام 2018، لكن هذه المرة تقدّم بها محاجنة والمصري عن موكلهما المعارض السعودي عمر عبد العزيز، الذي كان صديقًا شخصيًا للصحافي الذي اغتيل جمال خاشقجي، يتّهم "إن إس أو" ببيع برمجية تجسس طاول هاتفه.

بعد رفع هاتين القضيتَين، "وصلت إلينا معلومات موثوقة عام 2019 عن استخدام الشركة ثغرة في تطبيق واتساب لاختراق الهواتف"، يشرح محاجنة. بعدها أبلغ المحاميان هذه التفاصيل لـ"سيتيزن لاب"، الموجود في جامعة تورونتو الكندية، الذي بدوره أبلغ "ميتا" بالقضية التي اكتشفت أن هذه التقنية طاولت أكثر من 1300 مستخدم "واتساب" من خلال برمجية بيغاسوس.

ويضيف محاجنة أنه حتى اليوم، لا تزال القضيتان عالقتين في المحاكم "بسبب تدخّل المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية منذ بداية الإجراءات لحماية الشركة والدفاع عنها وعدم تحميلها المسؤولية القانونية. كما يحصل ذلك بالتواطؤ مع المحاكم الإسرائيلية التي عادة ما تلتزم بالخط السياسي والأمني للحكومة. وقد أُغلقت هذه القضية للجمهور، ومنع نشر أي معلومة عنها".

5. ما هي علاقة "إن إس أو" بالحكومة الإسرائيلية؟

رغم أن شركة NSO خاصة، إلا أنها تعمل مباشرة تحت مظلة وزارة الأمن الإسرائيلية، وهي ممنوعة من إبرام عقود مع أي جهة إلا بموافقة الوزارة، أي أنّ كل البرمجيات التي بيعت لمختلف الأنظمة والجهات حول العالم حصلت بعد موافقة الوزارة عليها. فبسبب نوعية عملها ونشاطها، تخضع الشركة لقانون مراقبة الصادرات الأمنية الذي يلزم كل شركة تصدّر منتجًا أمنيًا أن تأخذ موافقة وزارة الأمن، "وهذا اعتراف ضمني بما تقوم هذه الشركات، وقد استعملت وزارة الأمن هذه الشركة للحصول على مكاسب سياسية في عدد من الدول، لا سيما الدول العربية ".

6. هل من دعاوى أخرى مرفوعة ضد NSO خارج إسرائيل؟

كانت شركة آبل قد رفعت دعوى مماثلة ضد "إن إس أو" في أميركا في ولاية كاليفورنيا، لكنها أسقطتها في سبتمبر/أيلول الماضي، وذلك بسبب "تواطؤ الحكومة الإسرائيلية وإفشال عملية الكشف عن المعلومات والوثائق، وهي المحاولة التي حاولت تكراراها في قضية "ميتا"، لكن المحكمة، رغم ذلك، نجحت في النهاية في تحميل الشركة مسوؤلية التجسس على مستخدمي واتساب.

7. هل لعبت NSO دورًا خلال حرب الإبادة؟

رغم الدعاوى القضائية المختلفة ضد الشركة، عاد اسم "إن إس أو" إلى الواجهة بعد أيام قليلة من بدء إسرائيل حرب الإبادة في قطاع غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023. إذ استنفرت شركات السايبر الإسرائيلية لمساعدة المؤسسة العسكرية في تل أبيب في جهود البحث عن الجنود والمستوطنين الذين أسرتهم "كتائب القسام"، الجناح العسكري لحركة حماس، في عملية "طوفان الأقصى".

وذكرت صحيفة هآرتس، وقتها، أنّ شركات سايبر إسرائيلية، على رأسها "إن إس أو"، بالإضافة إلى 100 من خبراء السايبر، دشنوا هيئة خاصة تهدف إلى مساعدة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية في جهودها الهادفة إلى تحديد أماكن وجود الأسرى. وأشارت الصحيفة إلى أنّ الجهود التي تبذلها شركات وخبراء السايبر تنصب على محاولة تحقيق ثلاث مهام رئيسة: رسم خرائط للمناطق داخل قطاع غزة التي يوجد فيها الأسرى، وتحديد الأماكن، والتعرف إلى وجوههم.

8. هل استخدمت "بيغاسوس" لتحقيق مكساب سياسية؟

في السنوات الأخيرة، تصدَّر برنامج التجسس "بيغاسوس" عناوين الأخبار باعتباره واحدًا من أكثر أدوات المراقبة إثارة للجدل. إذ استخدمت إسرائيل هذه البرمجية لتحقيق مكاسب سياسية ودبلوماسية. في مقال نشرته صحيفة هآرتس عام 2021، ركّزت على الاستخدام السياسي للبرمجية من قبل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو: "أينما ذهب نتنياهو، تبعته NSO". و"بيغاسوس" ليس مجرد أداة تقنية بل لعب دورًا استراتيجيًا في تقارب البلدين اللذين وقعا اتفاقية التطبيع عام 2020. وقد كشفت هذه العلاقة كيف يمكن للتكنولوجيا أن تكون قوة محركة في السياسة الدولية، لكنها طرحت أيضًا تساؤلات أخلاقية وقانونية.

في العام 2013، عرضت إسرائيل على الإمارات برنامج "بيغاسوس" ليكون جزءًا من الجهود لإعادة بناء الثقة بينهما بعد التوتر الذي تلا اغتيال محمود المبحوح، القيادي في حركة حماس، في دبي عام 2010 على يد عملاء الموساد. هذا العرض لم يكن مجرد مبادرة تجارية بل أداة دبلوماسية تهدف إلى استعادة التعاون الأمني بين الجانبين.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد