فعّل مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية قبل يومين العقوبات المفروضة على رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل بعد 4 سنوات من فرضها من قبل الخزانة والخارجية الأميركيتين «بسبب دوره في انتشار الفساد في البلاد، بموجب القرار التنفيذي الرقم 13818، والذي يستهدف مكافحة الفساد ومنع انتهاكات حقوق الإنسان حول العالم».
لكن، معلوم أن خلفيات القرار سياسية بسبب رفض باسيل تلبية الطلب الأميركي الذي نقلته السفيرة الأميركية السابقة في بيروت دوروثي شيا إليه بقطع علاقته بحزب الله. رغم ذلك، أبقى الأميركيون في السنوات الماضية على قناة تواصل غير معلنة مع باسيل، لا سيما خلال المفاوضات التي جرت في آخر عهد الرئيس ميشال عون حول ترسيم الحدود البحرية مع فلسطين المحتلة. وتولى نائب رئيس المجلس الياس أبو صعب يومها تنظيم التواصل بين رئيس التيار الوطني الحر وبين الموفد الرئاسي الأميركي عاموس هوكشتين، وتردد في حينه أن اجتماعاً ضمّهما في أحد المطارات الألمانية حيث التقيا «مصادفة».
وبعد انتهاء ولاية عون من بعبدا، عرض الأميركيون على باسيل، مباشرة وبواسطة جهات لبنانية وعربية من بينها قطر، أن يسير في ترشيح قائد الجيش العماد جوزيف عون مقابل رفع العقوبات. وأكد باسيل أنه رفض هذه العروضات وأبلغ القطريين والفرنسيين بأنه لن يسير في ترشيح قائد الجيش.
ومنذ نحو سنة، تدور معركة في السر والعلن بين باسيل وعون الذي يقول مقربون منه إن الأول يشنّ حملة عليه في الإعلام وبين النواب، ويقف خلف تحريض أربعة وزراء دفاع على قائد الجيش، من يعقوب الصراف مروراً بالياس أبو صعب وزينة عكر وصولاً إلى الوزير الحالي موريس سليم. علماً أن الوزراء الأربعة، ورغم التفاوت بينهم في الجهر بملاحظاتهم على عون، أجمعوا على أن قائد الجيش لم يكن يراعي الاعتبارات المتعلقة بكون وزير الدفاع هو السلطة الرسمية التي تشرف على عمل المؤسسة العسكرية، وأن قائد الجيش يجري اتصالات سياسية وعسكرية ويتخذ إجراءات إدارية ومالية من دون العودة إلى وزارة الدفاع، ووصل به الأمر حد سحب سيارات المرافقة من بعض الوزراء وفرض إجراءات أمنية على دخول الوزراء إلى مقرّهم في اليرزة.
وقالت مصادر مطلعة إنّ الدوحة كانت قد وعدت باسيل بإجراء الاتصالات اللازمة لرفع العقوبات، وإن قطر بذلت مساعيَ جدية في هذا الشأن لم تؤتِ ثمارها، لأنّ المراجعة القضائية معقّدة جداً، ولأن قرار خلفية القرار سياسية.
وبعد إعلان حزب الله إطلاق حرب الإسناد للمقاومة في قطاع غزة، جهر باسيل بمعارضته لهذه الحرب وأطلق سلسلة مواقف علنية منتقداً الحزب، وحافظ على مسافة من مسار المواجهات مع العدو. لكن، بعد بدء إسرائيل حملتها العدوانية الواسعة على لبنان، أعلن باسيل وقوفه إلى جانب اللبنانيين الذين يقاومون الاعتداء الإسرائيلي من دون أن يسحب موقفه المعترض على جبهة الإسناد. وحينها، قال خصومه إنه يهدف من مواقفه هذه إلى مراضاة الأميركيين. لكن الصورة لم تكن على هذا النحو. فحتى عندما زار هوكشتين لبنان أخيراً والتقى شخصيات وجهات سياسية، استعاض عن لقاء باسيل بزيارة للعماد ميشال عون في الرابية.
وبعدما سرت شائعات عن أن الأميركيين يريدون فتح صفحة جديدة مع التيار عبر رئيسه المؤسس، تعمّد أكثر من طرف تسريب فحوى المحادثات بين هوكشتين وعون، وفيها أن المسؤول الأميركي قال لعون إن «حزب الله ارتكب خطأ إستراتيجياً قاتلاً عندما فتح حرب الإسناد، ونحن نأخذ في الحسبان موقفكم المعارض لهذه الحرب»، فردّ عون بأن «لبنان سيكون مع المقاومة ضد أي اعتداء إسرائيلي، ولكنني قلت للحزب إن حرب الإسناد ليست في محلها، وحذرته من أن الحروب لا تُخاض على أساس أخلاقي». وتبيّن لاحقاً أن هوكشتين حرص على التأكيد أمام شخصيات لبنانية بأن زيارته إلى عون «يجب ألا تُفهم على أنها رسالة إيجابية إلى باسيل». ولاحقاً، تولّت السفارة الأميركية التسريب عبر رجالاتها في لبنان بأن «على باسيل المبادرة إلى خطوة تراعي المصالح الأميركية في ملف الانتخابات الرئاسية، وأن موقفه ضد العماد عون يمثل مشكلة كبيرة». ولم ينفِ المقرّبون من السفارة «المعطيات عن أن قائد الجيش طلب من الجانب الأميركي عدم التساهل مع باسيل لأنه اللاعب الأبرز الذي يعمل على منع وصوله إلى رئاسة الجمهورية».