تشهد حركة MAGA (اجعل أميركا عظيمة مجددًا)، التي تمثل القاعدة الشعبية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، انقسامًا حادًا بدأ خلال مدة أعياد الميلاد، عندما تحوّل نقاش على وسائل التواصل الاجتماعي عن الثقافة الأميركية إلى مواجهة شاملة تناولت قضايا العرق والهجرة وصراع الطبقة العاملة مع النخب المليارديرية. هذه المواجهة كشفت واحدًا من أعمق التناقضات داخل الحركة الترامبية: بينما نشأت الحركة بدعم من الطبقة العاملة البيضاء الأقل تعليمًا، أصبحت الآن تحت تأثير مليارديرات التكنولوجيا والصناعة، وعدد منهم من المهاجرين. بدأت الأزمة بعد إعلان ترامب تعيين سريرام كريشنان، المستثمر الأميركي من أصول هندية، مستشارًا لسياسات الذكاء الاصطناعي.
أثار هذا القرار غضبًا واسعًا على منصات التواصل، إذ يُعرف كريشنان بدعمه لزيادة الهجرة الماهرة وتخفيف القيود على الإقامات الدائمة. تصاعد النقاش عندما نشر فيفيك راماسوامي، رجل الأعمال الأميركي من أصول هندية الذي عيّنه ترامب إلى جانب إيلون ماسك لإدارة «حكومة الكفاءة»، منشورًا على منصة إكس ينتقد فيه الثقافة الأميركية لتفضيلها «التفاهة» على حساب «التفوق العلمي». زاد من تعقيد الأمور دخول إيلون ماسك في النقاش، فدافع عن راماسوامي وعن فكرة أنّ الهجرة القانونية عبر برنامج H-1B ضرورية لاستقطاب أفضل الكفاءات الهندسية، معتبرًا أنّ ذلك دعم للعمالة الأميركية بدلًا من استبدالها. لكن هذه التوضيحات لم تهدئ الانتقادات، بل فجّرت موجة من الرفض داخل قاعدة MAGA، التي اعتبرت هذه المواقف تهديدًا لقيم الحركة الشعبوية وانتهاكًا لمصالح العمّال الأميركيين. ماسك، الذي أفاد شخصيًا من نظام تأشيرات H-1B عند انتقاله إلى الولايات المتحدة، وصف النظام بأنه «معطل»، ودعا إلى إصلاحه عبر رفع الحد الأدنى لرواتب حاملي التأشيرة وفرض رسوم سنوية على الشركات التي تستخدمه.
مع ذلك، أصر ماسك على أهمية الحفاظ على النظام كأداة لجذب الكفاءات المتميزة. هذه المواقف أثارت غضب أنصار ترامب، الذين يرون في النظام تهديدًا للعمالة المحلية ومناقضًا لشعار «أميركا أولًا». تصاعدت الأزمة بعد انخراط شخصيات بارزة من قاعدة ترامب الشعبية، مثل لورا لومر وستيف بانون، الذين وجهوا انتقادات لاذعة إلى ماسك عبر الإنترنت. وصف ماسك منتقديه بـ «العنصريين غير النادمين»، متوعدًا بـ «حرب لا يمكن تصورها» دفاعًا عن برنامج الهجرة الماهرة. لكن هذا الرد لم يخفف من حدة الصراع، بل أضاف طبقةً جديدة من التعقيد للعلاقة بين ماسك وترامب، الذي وجد نفسه مضطرًا إلى اتخاذ موقف متوازن بين قاعدته الشعبية التقليدية وحلفائه الجدد من النخب التكنولوجية.
في ظل هذه الانقسامات، أعلن ترامب دعمه لبرنامج H-1B، واصفًا إياه بأنه «برنامج عظيم» دائمًا ما أفاد منه في مشاريعه الخاصة. أثار هذا الموقف حفيظة اليمين المتطرف، الذي اعتبره تناقضًا مع مواقفه السابقة الأكثر صرامةً تجاه الهجرة. هذا الدعم العلني لماسك، أظهر تحولًا محتملًا في سياسات ترامب نحو التكيف مع الواقع الجديد الذي تفرضه التحولات الجديدة ودور التكنولوجيا في صياغة السياسات في ظل صعود «النظام الرقمي» وهيمنته على مفاصل مهمة في واشنطن (الأخبار، ملحق كلمات، السبت 28 كانون الأول 2024).
هذه الأزمة ليست مجرد خلاف سياسي؛ إنها اختبار لهوية حركة MAGA ومدى قدرتها على التوفيق بين شعاراتها التقليدية وواقعها المتغير. بينما تسعى القاعدة الشعبية إلى حماية العمالة المحلية، يضغط الحلفاء الجدد من النخب التكنولوجية لتعزيز الكفاءة الاقتصادية عبر استقطاب المهارات العالمية، وهو ما يعتبره بعضهم خيانةً لوعود ترامب.
سياسيًا، قد تؤدي هذه الأزمة إلى إضعاف قدرة ترامب على الحفاظ على وحدة قاعدته الانتخابية. إذا فشل في تحقيق توازن بين مطالب الطبقة العاملة ومصالح النخب الاقتصادية، قد يفقد دعم أحد الطرفين، ما يضعف موقع الحركة السياسي في الانتخابات القادمة. على المستوى الأوسع، يمكن أن تعيد هذه الأزمة تشكيل التحالفات داخل الحزب الجمهوري، مع ظهور تكتلات جديدة تجمع بين القوميين الاقتصاديين والتكنوقراط الليبراليين.
يجد ترامب نفسه الآن أمام معضلة إستراتيجية: هل سيبقى وفيًا لقاعدته التقليدية التي أوصلته إلى السلطة، أم أنه سيختار الانحياز إلى النخب الاقتصادية التي توفر له دعمًا سياسيًا وتمويليًا قويًا؟ الإجابة عن هذا السؤال ستحدد ليس فقط مستقبل حركة MAGA، لكن أيضًا معالم المشهد السياسي الأميركي في السنوات القادمة. ورغم تصاعد حدة الانقسامات، فإن هذه الأزمة تبرز نقطةً محورية في تطور الحركة ومركز السلطة داخلها. لم يعد النقاش حول الهجرة والعمالة مجرد قضية اقتصادية، بل تحول إلى اختبار لقيم الحركة التي وعدت الناس بها وقدرتها على التكيف مع التحولات الاجتماعية والتكنولوجية.
يظهر ذلك عبر توتر العلاقة بين الطبقة العاملة التي تشكل القاعدة التقليدية للحركة، والنخب التكنولوجية التي تضغط لتبنّي سياسات أكثر انفتاحًا. السؤال الذي يلوح في الأفق الآن هو: هل يمكن لحركة MAGA إعادة صياغة نفسها لتشمل رؤية تكنولوجية حديثة من دون فقدان هويتها الشعبوية؟ أم أنّ هذه التناقضات ستقود إلى انقسامات أعمق داخل صفوفها، قد تُضعف تأثيرها السياسي في المستقبل؟