زياد علوش ـ لبنان الكبير
عند قراءة هذة المقالة يكون قائد الجيش جوزاف عون قد انتخب رئيساً للبنان بما يفوق 86 صوتاً نيابياً في ساحة النجمة، وإلا سيكون لبنان قد فوّت على نفسه فرصة ملء الشغور الرئاسي الممتدة لأكثر من عامين، والخروج من دوامة المراوحة والتعطيل.
وعلى الرغم من تحول النظام اللبناني من جمهوري إلى برلماني، منذ اتفاق الطائف، فإن اللبنانيين تواقون منذ عهد الرئيس الراحل الياس سركيس في ثمانينيات القرن الماضي، إلى رئيس بمواصفات رجل الدولة، فهل يكون جوزاف عون هو ذلك الرئيس المؤمل؟
يفضي اتفاق وقف إطلاق النار اللبناني الاسرائيلي والتوجه الأميركي العربي وفق المتغيرات الداخلية والاقليمية الدراماتيكية، إلى إطلاق مسار جديد في لبنان والمنطقة، وعلى هذا الأساس فإن الصفقة تشمل رئيسي الجمهورية والحكومة وانتخابات نيابية وبلدية جديدة بما يتطلب من قانون انتخاب عصري وحسن الاختيار لدى الناخبين، وملء الشواغر الادارية لا سيما العسكرية والأمنية والقضائية وتسمية قائد جديد للجيش وحاكم المصرف المركزي.
تحديات المسار الجديد تتمثل في إستكمال تطبيق اتفاق الطائف ومندرجات القرارات الأممية لا سيما 1701 و1559.
يتطلب ذلك التحدي إزالة معوقين رئيسيين، الأول التخلص من دويلة الثنائي الشيعي “حزب الله” وحركة “أمل” العسكرية والأمنية تحت حجة المقاومة والذهاب نحو استراتيجية دفاعية تفيد بحصرية السلاح بيد الأجهزة العسكرية والأمنية الشرعية فقط، وتفرد الدولة برسم تقاطع السياستين الدفاعية والخارجية بعمقها العربي وانفتاحها الدولي.
المسار بذاته وسيلة بهدف بناء دولة العدالة والإنتاج لأن وفرة الانتاج مع سوء التوزيع هو احتكار، كما أن عدالة التوزيع من دون إنتاج كاف هو توزيع للفقر والبؤس. وذلك يتطلب حسم مسألة محاربة الفساد المستشري في إدارات الدولة وتنمر الطوائف والأحزاب والشخصيات على الحق العام.
منظومة الفساد اياها والتي هي الآن تمسك بعنق السلطة ستقاوم بشراسة وقد تمددت في كل مفاصل الحياة العامة.
وعليه، لا بد من فصل للسلطات وإطلاق يد القضاء لتطهير ذاته أولاً ومحاكمة الفاسدين والمفسدين ثانياً، وبالسرعة الممكنة، بما يتطلب من تفعيل لأجهزة الرقابة في طليعتها التفتيش المركزي، وأصول محاكمة الرؤساء والوزراء.
بالتأكيد لن يكون القضاء فاعلاً بمعزل عن تطوير أدواته القانونية والتنفيذية الفاعلة وهذا يتطلب انتخابات برلمانية جديدة تنتج نواباً حقيقيين جديرين بالتشريع وقادرين على مراقبة أعمال الحكومة.
المراهنة بعد انتخاب الرئيس العتيد هي على سرعة التكليف والتأليف الحكومي وبيانها الوزاري والقدرة على التنفيذ بحيث يبدو عامل الوقت حاسماً لجهة المواكب العربية والدولية للبنان لا سيما في مسألة التعافي الاقتصادي والمالي والنقدي وإعادة الاعمار.
كل ذلك لن يتحقق من دون أمرين أساسيين التناغم بين رئيسي الجمهورية والحكومة وقد أضحت السلطة في مجلس الوزراء مجتمعاً، وهذا يستلزم تسمية رئيس للحكومة قادر على قيادة ورشة التغيير الصعبة ولكنها ليست بالمستحيلة.