ليندا مشلب ـ لبنان الكبير
طوى لبنان صفحة الفراغ الرئاسي ويمّم وجهه شطر الحكومة وتشكيلتها كاختبار ثانٍ للمرحلة الجديدة تحدد مسار التعاطي بالملفات الشائكة والتي تناولها الرئيس جوزف عون في خطابه “عهدي لكم…”. الأكيد وبحسب المعلومات أن التغيير الحقيقي لن يحدث الآن إنما بعد الانتخابات النيابية في أيار ٢٠٢٦، وسيبدأ الحكم على العهد بعد هذا التاريخ، أما الآن فهي مرحلة انتقالية تحتاج إلى حكومة انتقالية وهناك تفاهم عربي دولي على استمرار الرئيس نجيب ميقاتي على رأس الحكومة التي يفترض أن تبصر النور قريباً جداً مع الإبقاء على توزيع الحقائب الرئيسية بحسب التوزيعة الحالية بين الطوائف وتشكيلة تواكب المرحلة بانسجام وتعاون بعيداً عن التعطيل. لكن هذا الأمر يحسم بالطبع بعد استشارات بعبدا، لتتبين وفقها ملامح الخطوة التالية وماهية الاتفاق.
وإذا كان الثنائي الشيعي قد شكل حقيقة بيضة القبان في إيصال الرئيس عون إلى بعبدا فمن سيكون بيضة قبان الحكومة؟ هل يكون التيار؟ خصوصاً أن المنافسة انحصرت بين اثنين: نجيب ميقاتي وفؤاد مخزومي.
“لبنان الكبير” يكشف الاتفاق:
الاسرائيلي لن يبقى في الجنوب هذه هي الثابتة التي أفضى اليها عصف التفاوض تحت ضغط توقيت جلسة الخميس، والتأكيد الذي نقله آموس هوكشتاين شفوياً الاثنين الماضي في زيارته إلى لبنان تحول إلى التزام خطي كتبت حروفه فجر الخميس.
مصدر سياسي بارز واكب مجمل الحركة السياسية والديبلوماسية في أسبوع الانتخاب، كشف لموقع “لبنان الكبير” أن الموفد الأميركي طلب من الجنرال الأميركي جاسبر جيفرز رئيس لجنة مراقبة الـmechanism في الناقورة أن يستعجل خروج الإسرائيلي بحسب الوقت المحدد قبل ٢٧ من الجاري، فأبلغه جيفرز أن العملية ربما تحتاج الى أيام إضافية معدودة لإنهاء تنظيف البنى التحتية لـ “حزب الله”، خصوصاً أن الجيش اللبناني ليس أكيداً أنه سيتمكن من إنجاز هذه المهمة.
وقال المصدر: “لم يتبلغ الجانب اللبناني أي معلومة تتحدث عن رغبة إسرائيلية في البقاء داخل القرى الحدودية أو عند بعض النقاط المشرفة وسيسمح للسكان بالعودة بدءاً من آخر شباط المقبل بالتزامن مع عودة المستوطنين، مع فارق أن اللبنانيين لن يجدوا قرى ليعودوا اليها أو منازل ليسكنوا فيها، وسيصدمون بحجم الخراب والدمار اللذين يحتاجان إلى سنوات لإزالتهما، بينما المستوطنون سيعودون إلى حياتهم الطبيعية بسرعة لأن العدو يعمل طوال هذه المدة على ترميم المستوطنات وتصليح ما دمر وإزالة آثار الحرب في داخلها مقابل المزيد من التفجير والتخريب والجرف وازالة المعالم الجغرافية في القرى اللبنانية، حتى الأشجار المعمرة والزيتون والثروات الطبيعية تسرق وتنقل من الأراضي اللبنانية إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة”.
وأشار المصدر الى أن الحرب انتهت إلى غير رجعة بتأكيد وضمانات أميركية، ومن الادارة الجديدة، الذاهبة إلى settlement بين لبنان واسرائيل واتفاق استقرار سيفرض بالقوة (forcement of stability and peace)
والمرحلة الثانية ستكون حل النقاط الخلافية على الحدود والتي بقي منها ٧ من أصل ١٣، وستفصل جبهة لبنان تماماً وبصورة كاملة عن بقية الجبهات ومنها الجولان الذي لن يشهد قريباً انسحاباً إسرائيليا. أما سلاح “حزب الله” وبعكس كل ما يشاع، فإن الاتفاق يفرض نزعه جنوب الليطاني لتطبيق الـ١٧٠١، وليس هناك أي كلام لا من قريب ولا من بعيد حول نزعه شمال الليطاني بحسب الجغرافيا اللبنانية، أي وبمعنى آخر أن الهم الأميركي الإسرائيلي هو تأمين أمن إسرائيل من الشمال والشرق، تمهيداً لعقد اتفاق يضمن الاستقرار على المدى الدائم والموضوع الداخلي متروك للبنانيين. وكشف المصدر أن لا شيء اسمه تسليم سلاح حزب الله الذي لا يزال يملك قدرة لا يستهان بها من ترسانته والسلاح المتوسط، وكانت معالجته مرهونة بهوية الرئيس والاتفاق الذي أبرم معه.
لكن الموضوع ليس بالسلاح بل بالوجهة التي سيستخدم فيها، وإذا انتقل اتفاق وقف الأعمال العدائية إلى وقف دائم لإطلاق النار وتثبيت الاستقرار، فان هذا السلاح تنتفي الحاجة اليه ويفترض أن يتم الاتفاق على آلية لمعالجته مع رئيس الجمهورية.
ولفت المصدر إلى أن الغموض في وضعية لبنان بدأ يتلاشى وعند تسلم إدارة دونالد ترامب ستتضح الأمور أكثر وأكثر، بعد أسابيع، لكن الأساس وعنوان المرحلة بحسب المصدر أمران:
الأول: القدرة على إبرام اتفاق حول الأسرى في غزة، قبل مجيء ترامب.
والثاني: إذا فشل الاتفاق حديث آخر.
وما يترتب على هذين السيناريوهين هو الآتي: ترامب أعطى مهلة للانتهاء وإبرام الصفقة، قبل تسلمه. والفشل يعني النتائج السلبية على كل المنطقة وبالأخص مصر والأردن، لأن ترامب سيعطي الضوء الأخضر بإنهاء غزة وتنفيذ خطة الجنرالات بشكل كامل.
وإذا نجحت الصفقة فستحول الأنظار والاهتمامات إلى العلاقة بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية والتي ستكون أكثر من هدنة وأقل من تطبيع وسلام.. لأن موقف المملكة معروف بإصرارها على حل الدولتين.
اما لبنان فقد انتهى دوره العسكري في هذه الحرب عند فصل المسارين Decoupling، وحزب الله الذي لم يخرق الاتفاق باستثناء رسالة مزارع شبعا في الثالث من كانون الأول الماضي، يثبت يوماً بعد يوم تحوله إلى حزب سياسي، ولم يعد المطلوب أبداً إنهاءه، بل تحويله إلى قوة سياسية، وبرأي المصدر من حوّل “طالبان” إلى حكومة وتعامل معها، وحوّل الجولاني إلى أحمد الشرع وتعامل معه، يستطيع أن يقوم بخطوات مماثلة مع تنظيمات يراها ضرورية ولكن سلمية باعتبار أن الـdeal لينجح يجب إبرامه مع الطرف الأخطر. هذا هو العقل الأميركي.
مصدر رفيع في الثنائي أكد لموقع “لبنان الكبير” أن الأمور تقاس بالنتائج وقد تبين في جلسة الخميس أن الثنائي هو الرافعة والجسر الذي أوصل جوزف عون إلى بعبدا وبالتالي لا يمكن الاستهانة بقوته، بعد ما غسل الجميع أيديهم من الاتفاقات الأخرى نتيجة الضغوط التي حصلت، فأصبح على عون اجماع مسيحي بعدما رفضوه في السابق والثنائي من الأساس طلب التحاور والاتفاق.
أما الضمانات السياسية الداخلية التي حصل عليها الثنائي بعد ضمانات تطبيق القرار ١٧٠١ والانسحاب الإسرائيلي من كامل الأراضي اللبنانية، فتتمثل في تثبيت المرجعية في الشراكة مع الطائفة الشيعية بيد الثنائي، مع الإبقاء على التوقيع الثالث في المالية كحق يضمن هذه الشراكة. وهذا ما انعكس كلاماً في خطاب الرئيس حول المداورة في الإدارات وليس الوزارات.
وختم المصدر أنه إذا كانت هناك من هواجس فيجب أن تكون للزعماء المسيحيين وليس للطوائف الأخرى مع العهد الجديد لأن جوزف عون هو التسونامي الجديد في الشارع المسيحي، والمظلة العربية والدولية التي فرضته شخصية توافقية بامتياز سترمي بثقلها على قوة تمثيله ليصنع فرقاً.
فمن رئيس قوي بالتمثيل خلف عهداً ضعيفاً… إلى رئيس ضعيف في التمثيل سيخلف عهداً قوياً… هكذا هي المظلة وعجائبها.