محمد نور الدين ـ الأخبار
من بين الانطباعات الشائعة، أن أحد أسباب انفجار الحرب في سوريا كان رفض الرئيس السوري السابق، بشار الأسد، ومعه حلفاؤه، مدّ خط أنابيب عبر سوريا ينقل الغاز الطبيعي من قطر إلى تركيا ومنها إلى الأسواق الأوروبية. أمّا وقد سقط نظام الأسد، عاد الحديث في تركيا وغيرها عن احتمال إحياء هذا المشروع. ومع أن المتفائلين كثر، فإن ما يُنقل عن تحفّظ دول عربية مِن مِثل السعودية والإمارات على مآل الأمور في سوريا، وانحياز النظام الجديد بالكامل إلى جانب تركيا، ربّما يشكّل كابحاً أمام إمكانية أن يبصر مشروع كذاك النور.
وتكتب الخبيرة النفطية في جامعة «يلدز»، سيما كالايجي أوغلو، في صحيفة «جمهورييات»، أن «الأسد كان قد رفض مدّ الخطّ على خلفية ضغوط مارستها روسيا، حتى لا يتأثّر واقع الغاز الروسي في الأسواق العالمية. لكن بعد إطاحته، وتلقّي الدور الروسي ضربةً قويّة، والتعاون الوثيق بين دمشق وأنقرة، ربما أصبح الوضع مختلفاً بعض الشيء. غير أن تكلفة الخطّ ستكون عالية جدّاً على تركيا، فيما من مصلحة السلطة الحاكمة، أي حزب العدالة والتنمية، مدّ الخطّ على حساب المصالح الوطنية. وعلى الرغم من تغيُّر الظروف، لا يمكن البدء بتشيد الخطّ لأسباب أمنية. وحتى لو اقتنعت السعودية بمدّه عبر أراضيها، فهذا يتطلّب الكثير من التفاصيل والاتفاقات». وتضيف كالايجي أوغلو: «مجرّد أن يقال إن مفتاح سوريا بيد تركيا ليس كافياً لمدّ الخطّ، نظراً إلى الضرر البيئي الكبير الذي سيحدثه مروره في الأراضي الزراعية والغابات التركية، فيما أولوية سوريا هي إعادة الإعمار لا الوقوع بيد المصالح الإقليمية على حساب الإنماء، وكذلك رفع العقوبات قبل الدخول في مشاريع خارجة عن إرادتها».
وتتساءل صحيفة «قرار»، من جهتها، عن احتمالات المضيّ في هذا المشروع، إذ إن «خطّاً بهذا الحجم الكبير، ويمرّ عبر السعودية والأردن وسوريا وتركيا، يتطلّب أن تشارك فيه شركات عالمية كبرى، ومَن هي هذه الشركة أو الشركات؟». كذلك، تطرح تساؤلاً حول تمويل المشروع، وما إذا كانت توجد لدى إنجازه، أسواق جاهزة ذات جدوى، وهل إن وقف أوروبا الاعتماد على الغاز الروسي بعد الحرب الأوكرانية واستيراد الغاز المسال عبر الحاويات من الولايات المتحدة سيكون مساعداً أولا على مد خطّ الغاز القطري.
أمّا صحيفة «غازيتيه دوار»، التي عادت لتثير الموضوع من جديد، أمس، فذكّرت بأن الناطق باسم الخارجية القطرية، ماجد الأنصاري، أعلن قبل أيام أن الحديث عن هذا الخط ليس سوى شائعات صحافية. ووفقاً للكاتبة مهدان صاغلام، فإنه «عندما بدأ الحديث عن مشروع الخط في عام 2009، كانت روسيا تشيّد خط السيل الشمالي، حتى إن تصاعد حصّتها في السوق العالمية، مثّل سبباً لدعم الولايات المتحدة خط نابوكو المارّ عبر الأراضي التركية لإحداث موازنة. وكانت خطوط الأنابيب هي الشائعة والأكثر جذباً قبل أن تظهر حاويات نقل الغاز المسال والتي بإمكانها نقل الغاز إلى حيث يتعذّر مدّ خطوط أنابيب».
ومع اندلاع الحرب في أوكرانيا، تراجعت إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا، وظهر كبديل نسبي الغاز النروجي والآذربيجاني، إضافة إلى حاويات الغاز المسال. لكن يبقى أن الحاويات لا تغطّي بالكامل حاجة أوروبا، وهو ما يبقي الأخيرة مرتبطة بشكل أو بآخر بالغاز الروسي. وتتساءل الكاتبة عن أسباب عدم حماسة قطر لخطّ الغاز عبر سوريا، لتقول إن «الدوحة ترى في حاويات نقل الغاز المسال وسيلة أكثر أماناً وسهولة، وخصوصاً في ظلّ عدم الرغبة العربية في مدّ الخط. كما أن حصّة أوروبا من غاز قطر الآن، هي حوالي 5%. وقطر تريد زيادتها، لكنها لا تجد ذلك مجدياً، لأن أسواق آسيا أكثر ربحية. والعامل الثالث الذي لا يدفع بالحماسة القطرية، هو الوضع الأمني في سوريا التي كانت تعاني منذ عام 2011، من الاضطراب وعدم الاستقرار، فيما سيطرة فصيل واحد الآن على السلطة لا تمنع أن يأتي غداً من يطيح به. فلا شركات الأنابيب ستأتي، والتأمينات عليها ستكون باهظة جداً، في وقت لن تؤيّد فيه إيران وروسيا مدّ مثل هذا الخط عبر سوريا. فلماذا بالتالي هدر المليارات من الدولارات على خط غير مضمون الحماية والأمن؟».
ومع افتراض تشييد هذا الخط، فهو سيكون وسط زحمة مصادر متعدّدة تمدّ أوروبا بالغاز. وبالتالي، فإن العنوان النهائي لتصدير الغاز القطري لن يكون واضحاً. ويبقى، بحسب الكاتبة، أن تركيا هي الوحيدة التي ترغب في مدّ الخط، لأنها مهووسة بأن تكون مركزاً لتوزيع الغاز. وتضيف صاغلام أن «مرور العديد من خطوط الأنابيب في تركيا يضاعف من أهميتها، لكن تبقى في النهاية بلد ترانزيت لا إنتاج، وهو ما لا يزيد من قيمتها الاستراتيجية. كما أن تركيا لا تمتلك القدرة على تمويل مدّ خط الأنابيب. وليس مضموناً مرور الخط في بيئة آمنة في سوريا التي لم ترسُ بعد على أيّ صيغة مستقرّة».