مروة الجردي/ جريدة الأخبار
دائمًا ما واجهت الأنظمة العربية علاقةً شائكةً مع وسائل الإعلام التي لا تعمل تحت مظلّتها ولا تتوافق مع برامجها السياسية أو خطابها العام. في سوريا، لا خروج عن هذه القاعدة، فخلال الحرب، أوقفت السلطات عمل عدد من وسائل الإعلام العربية والعالمية، من بينها «الجزيرة»، و«العربية»، وآخرها «هيئة الإذاعة البريطانية»، لأسباب سياسية تتعلق بخطاب تلك الوسائل الذي اعتبرته الدولة السورية آنذاك «مضللًا ومحرضًا» ضدها. وما أشبه اليوم بالأمس، إذ سارعت الإدارة السورية الجديدة، إلى تنظيم العمل الإعلامي كأول أعمالها. وكانت البداية توقيف عدد من وسائل الإعلام التي تعتبرها مناهضة لخطاب «الثورة» وأهدافها.
في اليوم التالي لسقوط نظام بشار الأسد في سوريا، وبعد إعلان تسلّم حكومة الإنقاذ في إدلب برئاسة محمد البشير المهمات والسلطة من حكومة محمد الجلالي، آخر رؤساء حكومة النظام السابق، وصل فريق من وزارة الإعلام في الحكومة الجديدة إلى مكتب قناة «الميادين» الإخبارية الموجود بالقرب من ساحة الأمويين في دمشق. طلب الفريق من العاملين إغلاق المكتب والتوقف عن العمل حتى إعادة النظر في ترخيصهم. في الحقيقة، هو قرار ينطوي على «موقف سياسي» من القناة التي كانت تعدّ من الداعمين لنظام بشار الأسد بوصفه جزءًا من محور المقاومة. وقد أكّد ذلك أحد المسؤولين في الإدارة السورية الجديدة، عند سؤاله عن أسباب توقيف نشاط مكتب «الميادين» وإمكانية استئناف عمله، فأجاب: «يا أخي، ما منحبهم، بس رح نراقب خطابهم وعلى أساسه منرجع منقرر». هنا تجدر الإشارة إلى أنّ مراسل القناة في سوريا، رضا الباشا، ما زال يواصل تقديم تقاريره اليومية عن آخر التطورات في البلاد.
في سياق مشابه، توقفت قناة «العالم سوريا» عن متابعة أعمالها في مكتبها في منطقة المزة في دمشق، إضافة إلى عدد كبير من المواقع الإلكترونية والمكاتب الإعلامية المموّلة أو المرتبطة بجهات إيرانية، من بينها «اتحاد القنوات الإسلامية». حرصت قناة «العالم سوريا»، التي يقع مكتبها الرئيسي في بيروت، على نقل معداتها وصرف تعويضات للعاملين السوريين قبل إغلاق المكتب نهائيًا. مع ذلك، تواصل القناة نشر محتوى إعلامي محايد عن سوريا، يتعلق بأخبارها عمومًا وبالجانب الاجتماعي فيها.
أمّا قناة «المنار» اللبنانية، فقد خفضت نشاطها بشكل كبير في سوريا منذ بداية الحرب الصهيونية على لبنان. كما استدعت مَن تبقى من فريقها في دمشق في الأيام الأخيرة لسقوط نظام الأسد بسبب تدهور الوضع الأمني.
ورغم عدم تسجيل أي مضايقات من السلطات الجديدة تجاه الكوادر الإعلامية المرتبطة بإيران، أفادت مصادر خاصة لنا بأنّ الجانب الإيراني يسعى إلى استئناف التواصل مع سوريا تمهيدًا لإعادة افتتاح سفارته في دمشق، برفقة فريق صحافي ممثل عن التلفزيون الإيراني الرسمي. وبينما لا تتوقع إيران علاقات إستراتيجية مع الإدارة الجديدة، فإنها تسعى عبر الوسيط القطري، إلى إقامة «علاقات باردة» تتيح للجاليات الإيرانية بالزيارات الدينية إلى المقدسات الشيعية في سوريا، وغيرها من المسائل الاجتماعية والثقافية التي قد تكون مشتركة بين البلدين.
أمّا في الجانب الروسي، وعلى وقع أنباء حول بدء انسحاب القوات الروسية من قواعدها ومراكزها على الساحل السوري، فقد أُبلغ مكتب «روسيا اليوم» في دمشق بقرار إغلاق المكتب ووقف أنشطته حتى «تجديد ترخيصه». يعمل فريق المكتب حاليًا على استصدار الأوراق المطلوبة من وزارة الإعلام لإعادة تفعيل نشاطه. الجدير بالذكر أنّ القناة تمكّنت من مواصلة عملها في الأسبوع الأول لسقوط النظام، مثل عدد من وسائل الإعلام العربية والأجنبية التي حصلت على تصاريح عمل مؤقتة.
الإدارة السورية الجديدة، التي تسعى إلى تقديم صورة منفتحة على العالم، تحرص على إعطاء الأولوية للإعلام العربي والغربي، وخاصة الأميركي والخليجي، إضافة إلى منصات التواصل الاجتماعي. يأتي ذلك على حساب القنوات المحلية أو التابعة لدول غير حليفة، أو تلك التي قد تنقل رسائل إعلامية تشوّش على خطط الإدارة الجديدة. يُشار إلى أنّ الظهور الإعلامي الأول لرئيس الإدارة أحمد الشرع، المعروف سابقًا بــ«أبو محمد الجولاني» كان عبر قناة «سي. أن. أن» الأميركية، بينما أجريت آخر مقابلة له عبر منصات التواصل الاجتماعي مع صانع المحتوى جو حطاب.