زكريا الغول ـ لبنان الكبير
في ظل التطورات السياسية والاقتصادية والأمنية المتلاحقة في الشرق الأوسط، يشكل المشروع الاسرائيلي للضفة الغربية قضيةً حساسة ذات أبعاد متعددة، سواء من الناحية التاريخية أو الدينية أو الجيوسياسية. فقد أوجد هذا المشروع تحديات جسيمة للسلام والاستقرار في المنطقة، وأصبح محوراً للصراع العربي-الاسرائيلي الذي يمتد لعقود طويلة، ما يسلط الضوء على خطورته وأهمية الضفة الغربية في السياق الاقليمي والدولي.
يمثل المشروع الاسرائيلي للضفة الغربية محاولة لترسيم واقع سياسي وجغرافي يخدم مصالح الاحتلال على حساب حقوق الشعب الفلسطيني. فمن خلال إقامة المستوطنات وتوسيعها بصورة ممنهجة، يسعى المشروع إلى تغيير الطابع الديموغرافي للضفة الغربية، ما يؤدي إلى تقويض الإمكانية الفعلية لتأسيس دولة فلسطينية مستقلة. إن توسع المستوطنات، الذي يُعد انتهاكاً للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، لا يؤثر على الوضع الأمني والسياسي وحسب، بل يؤثر أيضاً على النسيج الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع الفلسطيني. فقد تتعرض الأراضي الزراعية والمياه والموارد الطبيعية للتنقيب والاستغلال بصورة تضر بمصالح السكان الأصليين، ما يهدد الأمن الغذائي والاقتصادي للشعب الفلسطيني.
وتبرز خطورة المشروع أيضاً في تبعاته الأمنية، إذ يؤدي إلى زيادة التوترات والعنف من الاسرائيليين تجاه الفلسطينيين، ما يشعل فتيل الصراعات المحلية ويضعف فرص الحوار والتسوية. إن هذا التوسع المتواصل يخلق حالة من الاستفزاز الدائم، ويشكل دافعاً للمقاومة الشعبية والاضطرابات الأمنية التي يمكن أن تتسبب في وقوع أحداث مأسوية تؤثر على استقرار المنطقة بأسرها.
ترتكز أهمية الضفة الغربية على عدة عوامل جغرافية وتاريخية ودينية. جغرافياً، تتميز الضفة بمواردها الطبيعية الغنية، مثل الأراضي الزراعية الخصبة والمياه العذبة، والتي تعد شريان حياة للاقتصاد الفلسطيني. كما أن موقعها الجغرافي يعتبر حلقة وصل استراتيجية تربط بين عدة دول في المنطقة، ما يجعلها محط اهتمام القوى الاقليمية والدولية.
أما من الناحية التاريخية، فتحتضن الضفة الغربية مواقع أثرية وحضارية تعود إلى آلاف السنين، إذ شهدت حضارات متعددة، وكلها تركت بصماتها على هذه الأرض. هذه الروح التاريخية تمنح الضفة قيمة ثقافية وحضارية عريقة تتجاوز مجرد حدود النزاع السياسي، فهي ترمز إلى هوية وتاريخ شعب عريق عاش وتطور على هذه الأرض.
وفي ما يتعلق بالبعد الديني، تحظى الضفة الغربية بمكانة خاصة؛ فهي تضم أماكن مقدسة، وتعد القدس جزءاً لا يتجزأ من الضفة الغربية، وهي مدينة ذات أهمية دينية بالغة، حيث يعتقد اليهود أنها موطن الهيكل، بينما يحمل المسلمون والمسيحيون تقديراً عميقاً لتاريخها ومكانتها الروحية. إن هذه الأهمية الدينية تزيد من تعقيد الوضع، إذ يتداخل البعد الديني مع السياسات الوطنية والدولية، ما يجعل أي تغيير في وضع الضفة الغربية يحمل آثاراً تتجاوز الحدود الجغرافية لتصل إلى قلب المشاعر الدينية والهوية الثقافية.
إن الصراع حول الضفة الغربية ليس حديث العهد، بل له جذور تاريخية عميقة تمتد إلى القرون القديمة. فقد تنازعت عليها شعوب وحضارات متعددة عبر التاريخ، بدءاً من الفترات التوراتية مروراً بالعهد الاسلامي والانتداب البريطاني، وصولاً إلى مرحلة الاحتلال الاسرائيلي في القرن العشرين. كل مرحلة من هذه المراحل حملت طابعها الخاص وأثرت في تشكيل الواقع الحالي للضفة الغربية.
على الصعيد الديني، لعبت الضفة دوراً مركزياً في القصص المقدسة التي روتها الديانات السماوية. هذا البعد الديني ساهم في زيادة حساسية القضية، بحيث يرى الكثير من المؤمنين أن الضفة الغربية هي أرض مقدسة يجب الحفاظ عليها من أي تغيير أو احتلال. ومن هنا تنشأ المشاعر الوطنية والدينية التي تحفز المقاومة والتمسك بالهوية الفلسطينية، وتؤكد ضرورة حماية هذه الأرض من التعديات.
ومن جهة أخرى، يؤثر الصراع التاريخي على الوضع السياسي الراهن، إذ استخدمت الحقائق التاريخية لتبرير التواجد والاستيطان الاسرائيلي في الضفة الغربية. فالمؤرخون والناشطون الفلسطينيون يؤكدون أن الأرض هي حق تاريخي للشعب الفلسطيني، وأن أي محاولة لاقتسامها أو تغيير نسبتها السكانية تهدف إلى تهميش الهوية الفلسطينية وإلغاء حقوقها الوطنية. ومن هذا المنطلق، تُعد الضفة الغربية رمزاً للصمود والمقاومة، بحيث يُنظر إليها على أنها البقعة التي يحمل عليها الشعب الفلسطيني آماله وطموحاته لتحقيق الحرية والاستقلال.
إن التداعيات الناتجة عن المشروع الاسرائيلي للضفة الغربية تتجاوز حدود النزاع المحلي، لتؤثر على استقرار الشرق الأوسط بأكمله. فالتوسع الاستيطاني لا يُعد مجرد قضية فلسطينية، بل هو قضية إقليمية تتعلق بمصالح الدول العربية والإسلامية، وتثير اهتمام المجتمع الدولي الذي يدعو إلى إنهاء الاحتلال واحترام القانون الدولي. هذا المشروع يفاقم الانقسامات السياسية والدينية في المنطقة، ويعزز التوترات بين الدول التي تتبنى مواقف مختلفة تجاه القضية الفلسطينية، ما يجعل تحقيق السلام عملية أكثر تعقيداً وصعوبة.
كما أن المشروع الاسرائيلي للضفة الغربية يُعتبر نقطة تحول في العلاقات بين الدول الغربية وإسرائيل، حيث يدفع بعض القوى إلى إعادة تقييم سياساته تجاه الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، ويدعو إلى اتخاذ إجراءات حازمة لمواجهة التعديات الاسرائيلية. وفي هذا السياق، يلعب المجتمع الدولي دوراً محورياً في دعم حقوق الشعب الفلسطيني والعمل على وقف الانتهاكات، سواء من خلال المبادرات الديبلوماسية أو العقوبات الاقتصادية.
إن المشروع الاسرائيلي للضفة الغربية يشكل خطراً كبيراً على استقرار المنطقة وعلى حقوق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. إذ لا يقتصر هذا المشروع على إعادة رسم خريطة الأراضي فحسب، بل يتعدى ذلك إلى محاولة تغيير الواقع الديموغرافي والثقافي والديني للمنطقة، ما يهدد الهوية الفلسطينية ويقوّض فرص السلام. وفي ظل أهمية الضفة الغربية تاريخياً ودينياً وجغرافياً، يصبح من الضروري الوقوف ضِد هذا المشروع والدفاع عن الحقوق الوطنية والقانون الدولي، والعمل على إيجاد حل عادل وشامل يضمن السلام والعدالة لجميع الأطراف.
إن حماية الضفة الغربية ليست مجرد مسألة سياسية أو جيوسياسية، بل هي مسألة إنسانية وتاريخية ودينية تتعلق بالمستقبل المشترك للمنطقة. لذا، يجب على المجتمع الدولي وقادة الشعوب العمل معاً لتحقيق حل يضمن العدالة والحرية، ويحفظ الهوية والروح التاريخية لهذه الأرض العظيمة.