تحت ظل مظلة من الخيام في مدينة جدة، تُعرض أعمال فنية دينية إلى جانب أعمال معاصرة، في خطوة يدرجها منظمّو معرض بينالي جدة للفنون الإسلامية، في إطار تجسيد التغيير الذي تمرّ به السعودية.
يضم بينالي جدة الذي ينظم تحت عنوان «وما بينهما»، 500 قطعة أثرية إسلامية، من بينها أجزاء من «كسوة الكعبة»، القماش الأسود المطرز بالذهب والفضة الذي يغطي الكعبة، وحوالى 30 عملا معاصرا، ويمتد على مساحة 100 ألف متر مربع في الصالة الغربية في مطار الملك عبد العزيز الدولي في مدينة جدة الساحلية (غرب).
تتضمن هذه القطع الأثرية عناصر قيّمة مستعارة من الفاتيكان، مثل الترجمات القديمة للقرآن الكريم وخريطة لنهر النيل تعود إلى القرن السابع عشر. ويقول أمين المعرض الفنان السعودي مهند شونو «الجمع بين (الفن) المعاصر والماضي يؤكد حقًا التغيير الذي تمر به المملكة العربية السعودية».
السعودية مملكة محافظة الى حدّ كبير، ذات أغلبية سنية. وتحظر معظم المذاهب الإسلامية السنية تصوير الأشخاص والحيوانات. لذلك، أصبحت الأنماط الهندسية منتشرة على نطاق واسع في الفن الإسلامي. ويتميز معرض بينالي جدة أيضا بزخارف فارسية من العصور الوسطى، بما في ذلك صور ملكية، بالإضافة إلى نافورة صممها الفنان اليمني الإندونيسي أنهار سالم، وتتكوّن بلاطاته الفسيفسائية التي تم تجميعها بالألوان، باستخدام الذكاء الاصطناعي، انطلاقا من صور رمزية تم الحصول عليها عبر الإنترنت.
يقول عبد الإله قطب، وهو مهندس معماري يبلغ من العمر 31 عاما وجاء خصيصا من مكة، «لدينا مفاهيم تقليدية عن الإسلام وتاريخه، وقد حان الوقت لإعادة النظر فيها من زاوية جديدة».
من خلال «قلب المنادير»، وهو تركيب نحاسي يمكن من خلاله للزوار مشاهدة البينالي رأساً على عقب، تتساءل الفنانة الفرنسية اللبنانية تمارا كالو، «ما يعنيه أن نرى وأن نكون شهوداً». وتستكشف ثنائية الشرق والغرب، والضوء والظلام، وترديد صدى الفلسفة الإسلامية، وخاصة إرث ابن الهيثم، أبو البصريات.
يتفاجأ الزوار بأعمال أخرى جريئة؛ من بينها القرص الضخم الذي يدور بلا هوادة ويبلغ قطره أمتارا عدة، وهو مغطى بطبقة سميكة ولزجة من النفط الذي تعد السعودية المصدّر الأول له في العالم.
تحت تأثير الدوران، يتدفق السائل، الذي «لا يتخذ الشكل نفسه أبدا»، من دون أن يختفي تماما، في «رمزية للوقت»، كما يشرح مصممه الفنان الإيطالي أركانجلو ساسولينو، على بعد أمتار قليلة من ألواح «كسوة الكعبة». وتشمل التحولات تطورات اجتماعية كبرى، تحدث في السعودية مثل زيادة مشاركة المرأة في الحياة العامة.
يجذب البينالي، الذي يقع في محطة بجوار المحطة المخصصة للحجاج في طريقهم إلى مكة، «على بعد 93 كيلومترا من العاصمة المقدسة للمسلمين»، جمهورا فريدا من محبي الفن والمؤمنين العابرين.
يلاحظ المؤرخ الإيطالي جوليان رابي، أحد المديرين الفنيين للبينالي «خلال النسخة الأخيرة، عبر الحجاج الطريق لرؤية الأجنحة».
يقول المنظمون إنّ 600 ألف زائر حضروا المعرض خلال دورته الأولى في العام 2023، ما يعني أنّ «بينالي جدة» يحظى بحضور قريب من بينالي البندقية، الذي اجتذب 700 ألف زائر في العام 2024. ويسعى بينالي جدة راهنا لاجتذاب أكثر من مليون زائر، معظمهم من خارج البلاد.