نظام الكفالة يشرّع «قتل» العاملات الأجنبيات في الحرب!

post-img

زينب حمود (جريدة الأخبار) 

كشفت الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، مرة جديدة، عن هشاشة العاملات الأجنبيات في الخدمة المنزلية واستبعاد نظام الكفالة في لبنان لهن.

كثر من أصحاب العمل ممن غادروا إلى الخارج أو نزحوا إلى مناطق آمنة، خلّفوا وراءهم عاملات هِمن على وجوههن في الشوارع، من دون أن تتحمل أي جهة مسؤوليتها تجاههن: لا حكومة البلد المضيف (لبنان)، ولا سفارات بلدانهن، ولا المنظمات الدولية التي تتشدّق بالمبادئ الإنسانية وتختفي عند اللزوم.

وحدها المبادرات الفردية خفّفت من سوداوية المشهد، فأمّن ناشطون مآوي لبعض العاملات في الحازمية والأشرفية وغيرهما.

الحكومة اللبنانية كانت واضحة منذ وضع خطة الطوارئ بتحميل المنظمات الدولية مسؤولية إغاثة النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين والعمال الأجانب، وعدم استقبال غير اللبنانيين في مراكز النزوح الرسمية. ورغم إمكانات الدولة المحدودة، يرى منسق «حركة مناهضة العنصرية» كريم نوفال في ذلك «عنصرية لأن الحكومة سحبت يدها من إغاثة الأجانب بلغة تمييزية بدلاً من أن تقول إنها ستتعاون مع المنظمات الدولية للاستجابة لحاجاتهم».

وتكفّلت منظمة الهجرة الدولية بتأمين تذاكر سفر لعاملات وبعض الأدوية من دون أن تتدخل في تأمين مآوٍ للراغبات في البقاء أو من ينتظرن دورهن في الإجلاء، ولا سيما أنّ بعض السفارات تأخرت في إجلاء رعاياها أو لم تؤمن ميزانية تذاكر السفر لإجلائهن.

وعندما طلبت «حركة مناهضة العنصرية» و«حركة العمّال المهاجرين» من منظمة الهجرة فتح ملاجئ لما تملكه من خبرة وموارد مالية، «رفض مكتب المنظمة في لبنان من دون تبرير ذلك» وفقاً لما يؤكد نوفال لـ«الأخبار»، مشيراً إلى «عدم تعاون الحكومة اللبنانية مع المنظمات الدولية التي لا تستطيع أن تفتح ملاجئ من دون التشبيك مع الجهات الرسمية. لكن ذلك لا يبرر عدم الاستجابة الكافية من منظمة العمل الدولية، بالمقارنة مع نشاطها في بلدان أخرى خلال الأزمات كما فعلت في حرب السودان مثلاً».

في المقابل، ما سبق من تمييز ضدّ العاملات في الخدمة المنزلية «يبقى حالات فردية لا ترتقي إلى مستوى الظاهرة كتلك التي شهدناها إبان الأزمة الاقتصادية عام 2019»، برأي أصحاب مكاتب الاستقدام ووزارة العمل.

بل «في مقابل حالة واحدة عن سوء معاملة عاملة في الحرب، وردتنا طلبات عدة من أصحاب العمل لإيجاد حلول لوضع العاملات بعد اتخاذ قرار تسفيرهن، فتعاونّا مع المديرية العامة للأمن العام لإصدار إقامات من دون إجازات عمل وبراءات ذمة للمخالِفات لنظام الإقامة الشرعية لتسهيل خروجهن من البلد»، بحسب المديرة العامة لوزارة العمل بالإنابة رئيسة دائرة مراقبة عمل الأجانب مارلين عطالله.

من جهته، أكّد عضو نقابة أصحاب مكاتب الاستقدام ورئيسها السابق علي الأمين أنّ «غالبية العاملات اللواتي بتن في الشوارع وأمام السفارات مخالفات لنظام الإقامة وليس لديهن كفيل يلجأن إليه»، وهو ما يؤكده نوفال مشيراً إلى أن «العاملات المخالفات يشكلن نسبة من اللواتي بقين من دون مأوى خلال الحرب».

لكنه يشدّد على أن «مخالفة نظام الإقامة عموماً هو انعكاس طبيعي لنظام الكفالة الذي يعزّز الاستقطاب الوهمي، أو استقدام العاملة قبل إيجاد عمل لها، وسوء المعاملة». ويلفت إلى أنّ نظام الكفالة ضاعف معاناة العاملة في الخدمة المنزلية أثناء الحرب مقارنة بالعمال الأجانب لما يفرضه من «مصادرة الحق في التنقل الحرّ والسكن المستقل عدا التبعية المطلقة لصاحب العمل والحاجة إلى مراجعة جهات عدة قبل الخروج من البلد مثل موافقة الكفيل أو التنازل عنها، كذلك المساومة عليها مثل تحويلها إلى منزل آخر وما قد يحمله ذلك من ضغوطات وإكراه».

ولا يحتاج تحرير العاملات إلى عصا سحرية، بل إبطال نظام الكفالة وإدراج العمل في الخدمة المنزلية ضمن أحكام قانون العمل، لتصحيح العلاقة بين العاملة وصاحب العمل بشكل يلغي التبعية ويحفظ حقوق الطرفين، ويضمن حرية العاملة الفردية، وهو ما ينصّ عليه أساساً اقتراح قانون العمل الجديد الذي حان وقت إقراره بعد تشكيل الحكومة الجديدة.

وحتى ذلك الوقت، تشجّع عطا الله على إبرام مذكّرات تفاهم مع الدول التي «تصدّر» العاملات، كتلك التي وقعها لبنان مع إثيوبيا منذ حوالى سنة ونصف سنة و«تنتظر إنهاء الإجراءات الإدراية في إثيوبيا لتدخل حيّز التنفيذ». وهذه المذكرة «تنظّم علاقة تعاقدية غير تبعية بين العاملة المنزلية وصاحب العمل، لتكون الأولى ملمة بطبيعة العمل وشروطه وساعاته والأجر الذي تتقاضاه، كذلك واجباتها وحقوقها قبل المجيء».

وتلفت عطا الله إلى أن «كلّ عامل أجنبي لا بدّ أن يرتبط بصاحب العمل، لكنّ وجود عقد عمل واضح يحدّ من الاستغلال، ويسهّل تقديم شكاوى لدى خرق شروط العقد المتفق عليها».

ويبقى تنظيم القطاع يصطدم برؤية أصحاب العمل ومكاتب الاستقدام التي ترى أنّ الجمعيات تبالغ في تصوير اضطهاد العاملات، وأحياناً تطرح ما يتنافى مع الواقع، «كما طرحت إحدى الجمعيات في مؤتمر حق العاملة في الإنجاب وتربية طفلها عند صاحب العمل»، بحسب ما ينقل نقيب أصحاب مكاتب الاستقدام جوزيف صليبا، متسائلاً عن «حقوق أصحاب العمل، ومن يعوّض عليهم التكاليف العالية التي يتكبدونها لدى هرب العاملة، ومن يحمي العاملات من العصابات التي تصطادهن وتزجّهن في أعمال غير شرعية وغير أخلاقية قبل حمايتهن من صاحب العمل».

31 شكوى «استعباد»

تراجع عدد الشكاوى التي وردت إلى وزارة العمل عن حرمان عاملات في الخدمة المنزلية من أجورهن وحجز أوراقهن الثبوتية من 164 عام 2023 إلى 31 عام 2024، وسجّلت جميعها لدى سفارات وجمعيات غير حكومية، كما وضعت الوزارة 8 أصحاب عمل على اللائحة السوداء لعدم تجاوبهم مع دائرة التفتيش التي نظرت في الشكاوى. كذلك وردت 38 شكوى من أصحاب العمل ضدّ مكاتب استقدام العاملات، جمّدت الوزارة إثرها عمل 7 مكاتب منها.

القطاع يستعيد عافيته

يتحسّن قطاع استقدام العاملات في الخدمة المنزلية تدريجياً بعد انقطاع انتهاء الحرب والحلحلة السياسية التي رافقت انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل الحكومة، و«يستعيد القطاع 60% إلى 70% من نشاطه قبل الحرب»، بحسب عضو نقابة أصحاب مكاتب الاستقدام علي الأمين، «لكنّنا لن نعود إلى ما كنّا عليه قبل عام 2019»، يجزم النقيب جوزيف صليبا.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد