أثارت صورة انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، يظهر فيها مسلحون يطأون بأرجلهم صورة سلطان باشا الأطرش قائد الثورة السورية ضد الاستعمار الفرنسي، موجة غضب عارمة بين السوريين، داخل البلاد وخارجها
أثارت صورة انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، يظهر فيها مسلحون يطأون بأرجلهم صورة سلطان باشا الأطرش قائد الثورة السورية ضد الاستعمار الفرنسي، موجة غضب عارمة بين السوريين، داخل البلاد وخارجها. ورغم تضارب الروايات حول هوية الفاعلين، بين من يرجح انتماءهم لوزارة الدفاع السورية ومن يشير إلى فصائل عشائرية خارجة عن القانون، بقيت الإهانة ثابتة، والصدمة أكبر من مجرد صورة.
مقصودة أم جهل بالرموز؟
في ردود الأفعال، لم يقتصر الاستنكار على البعد المحلي في السويداء، بل تجاوزه إلى رمزية الإهانة لشخصية وطنية جامعة. أشار معلقون إلى أنّ عناصر هذه الفصائل قد لا يدركون هوية من تطالهم أفعالهم، لكنهم يتعمدون استفزاز أهالي الجبل عبر إهانة ما يعتبرونه مقدسًا اجتماعيًا وثقافيًا، مثل الشوارب التي تُعد جزءًا من هوية رجال طائفة الموحدين الدروز. وتكررت مؤخرًا مشاهد حلق الشوارب قسرًا، لتتحول الإهانة إلى ممارسة مقصودة ومدروسة.
استُعيدت في سياق هذه الحملة صور جنازة سلطان باشا الأطرش، ولقطات تاريخية تؤكد مكانته الوطنية. فقد قاد الثورة السورية الكبرى في العام 1925، ضد الاستعمار الفرنسي، ولم يكن يومًا زعيمًا لطائفة، بل قائدًا لفصائل من حماة والساحل ودمشق وحلب. وكان أحد أشرس المدافعين عن وحدة البلاد ورفض التقسيم، سواء على أسس طائفية أو سياسية.
عندما عرضت عليه سلطات الانتداب الفرنسي منصب حاكم منطقة جبل الدروز بعد التقسيم، رفض العرض بشكل قاطع. تمسك بمبدأ «الدين لله والوطن للجميع»، رافضًا أي صيغة تُقسّم السوريين. وقد وثّقت حفيدته، الباحثة ريم منصور الأطرش، هذا التاريخ في كتابها «المذكرات الحقيقية لسلطان باشا الأطرش»، الصادر عن «دار أبعاد»، والذي يشكل مرجعًا لتفاصيل نادرة من أرشيفه الشخصي.
السويداء دائمًا في مواجهة القمع... والسوريون معها
الإهانة الأخيرة تأتي ضمن سياق من التوترات المتكررة في السويداء، إذ شهدت المحافظة موجات عدة من المواجهات مع السلطة المركزية، خصوصًا عندما شعرت بانتهاك خصوصيتها أو قمع رموزها. ويعود هذا الإرث إلى خمسينيات القرن الماضي، عندما قاد العقيد أديب الشيشكلي حملة قمعية ضد أبناء الجبل، واعتقل نجل سلطان باشا، واستخدم السلاح الثقيل ضد المتظاهرين، ما أدى إلى انتفاضة واسعة انتهت بإسقاطه عام 1954.
لم تكن مواجهة الجبل للشيشكلي محلية، بل حظيت بدعم رموز وطنية بارزة من مختلف المناطق السورية، من بينهم رشدي الكيخيا وعدنان الأتاسي وأكرم الحوراني وميشال عفلق ومؤسسي حزب «البعث» العربي الاشتراكي الذي ينتمي له منصور الأطرش نجل سلطان باشا. وبعدما تمردت مدينة حلب وأعلنت الانقلاب عليه، اضطر الشيشكلي إلى الهروب من البلاد وتم اغتياله لاحقًا في البرازيل على يد شاب درزي يُدعى نواف غزالة.
الدولة تستعين على السويداء بوجوه متورطة في مجازر الساحل
خلال الساعات الأولى التي شهدت وقوع عدد كبير من الضحايا المدنيين، نبه بعضهم من تكرار ظهور وجوه ارتكبت مجازر في الساحل السوري في السويداء بما «ينسف» أي خطاب وطني جامع، ويفقد الجيش السوري عقيدته التوحيدية بعد ظهور عناصر مسلحة كانت قد انتشرت صور لها خلال ارتكاب الانتهاكات في الساحل السوري. ومن الوجوه مَن اشتهر بفيديو يقول فيه «كان في مدينة اسمها جبلة وراحت». وأعاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» نشر مقاطع الفيديو السابقة له والسؤال عن استمرار وجوده في الحملات الأمنية في صحنايا والسويداء وعدم إيقافه للممحاسبة، إضافة إلى تصدر المتحدث باسم وزارة الدفاع حسن عبد الغني الحديث عن التطورات في السويداء وهو الذي أشارت تقارير وتحقيقات صحافية دولية لتورطه ومسؤوليته عن مجازر الساحل.
صورة تختصر الخوف من طمس الهوية
الإساءة لسلطان باشا الأطرش لم تكن مجرّد فعل عابر، بل تحوّلت إلى جرس إنذار حول مستقبل الرموز الوطنية في ظل النزاعات الهوياتية التي تعصف بسوريا. بين سلطة تفقد شرعيتها من خلال إنكارها للآخرين وحقوقهم، و«ثوّار» محصورين بجغرافيا ومصالح لا تخرج من إطارهم الطائفي والعشائري، تضيع شخصية وطنية كانت ـ ولا تزال ـ تجسّد فكرة سوريا الجامعة