أوراق ثقافية

«جنة» خليل صويلح ممنوعة في سوريا «الجديدة»

post-img

«أخيرًا صار فيّي أعرض روايتي داخل سوريا»، جملة ردّدها كثير من الكتّاب السوريين بعد سقوط نظام بشار الأسد في نهاية العام الفائت، كنوع من التنفّس بعد عقود من القمع والرقابة التي طالت النصوص الأدبية، ولا سيما تلك التي تقترب من نقد بنية السلطة، أو تتناول الحرب والنظام بعين ساخرة أو واقعية. لكن هذا الأمل ما لبث أن انكسر، وعاد شبح الرقابة سريعًا إلى الواجهة، لتثبت المرحلة الانتقالية أنها تحمل الكثير من وجوه النظام القديم، ولو بثياب مختلفة.

الرقابة تتجدد.. رواية مرفوضة مرتين

المفارقة جاءت مع إعلان الروائي السوري خليل صويلح عبر صفحته على فايسبوك، رفض لجنة الرقابة في سوريا السماح بطباعة روايته «جنة البرابرة» محليًا، رغم مرور أكثر من عشر سنوات على صدورها عن «دار العين» في القاهرة عام 2014. صويلح أشار إلى أن روايته كانت قد رُفضت في عهد نظام بشار الأسد، وها هي تُرفض مجددًا بعد سقوطه، ما يضع علامات استفهام كبرى حول جدية التغيير في الحقل الثقافي.

وفقًا لما نشره الكاتب والصحافي السوري، فإن لجنة الرقابة طالبت بحذف عشرات العبارات من الرواية، معظمها يتعلق بتوثيق مراحل من الصراع السوري، وإدانة أطراف القتل كافة – سواء النظام أو الفصائل المسلحة. كما طالبت اللجنة بتغيير عنوان الرواية، في خطوة اعتبرها صويلح مسًّا بهوية العمل وفكرته. الأكثر غرابة، أن الرقابة طلبت حذف الإشارة إلى رواية «خريف البطريرك» لغابرييل غارسيا ماركيز، التي وردت في النص ضمن سياق تناول أدب الديكتاتوريات في أميركا اللاتينية. وكتب صويلح حول ذلك ساخرًا «هو أمر لا سلطة لي عليه بعد غياب صاحبها»، كاشفًا عن عبثية المراجعة الرقابية التي تحكم على النصوص.

عن الرواية.. ألف يوم من الجحيم

تسرد «جنة البرابرة» مدة «ألف يوم» من الحرب السورية، يتوقف فيها الزمن عند تاريخ 9/12/2013، لكنه لا ينتهي – تمامًا كما لم تنتهِ الحرب بعد. تتخذ الرواية من السخرية السوداء والملاحظة الحادة أدوات للكشف عن تفكك المجتمع تحت ضغط الحرب، وتطرح تساؤلات جريئة حول العنف، والانتماء، والذاكرة. وربما لهذا السبب بالذات، ما زالت الرواية تتعرض للرفض. فالنصوص التي تضع المرآة أمام الوجه السوري، بعمقه وتعقيده، تُقلق الأنظمة مهما تغيّرت الشعارات.

ثقافة «الحرية» تحت الاختبار

ومنذ بداية المرحلة الانتقالية، حذر مثقفون وناشرون سوريون من بوادر رقابة غير مباشرة، تتمثل في شروط ترخيص دور النشر، أو حصر الفعاليات الرسمية في أنشطة احتفالية خالية من المضامين الجدلية. وهي مؤشرات على استمرار عقلية «ضبط الثقافة» وإنْ عبر وسائل أكثر نعومة. إقصاء الأعمال النقدية، أو إخضاعها لمقص الرقابة، يطرحان تساؤلًا محوريًا «هل تتسع سوريا الجديدة لصوت الآخر؟ وهل الكلمة الحرة ما زالت تهدد أصحاب السلطة، حتى عندما يزول وجه السلطة ويظل جوهرها؟».

في ختام منشوره، يقول خليل صويلح: «ربما عليّ أن أبحث مجددًا عن منفى آخر لهذه الرواية». عبارة قد تختصر حال حرية التعبير وتقييد الحريات الثقافية والأدبية والصحافية التي تبدو وكأنها قدر لا فكاك منه في هذا البلد، أو كما وصفه: «حكم لا يمكن الهرب منه، لا من بين يدي مخبر محلّي، ولا ناقد تشبيحي، ولا ثوري أهوج».

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد